الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير صدر المتألهين/ صدر المتألهين الشيرازي (ت 1059 هـ) مصنف و مدقق


{ سَيَذَّكَّرُ مَن يَخْشَىٰ } * { وَيَتَجَنَّبُهَا ٱلأَشْقَى } * { ٱلَّذِى يَصْلَى ٱلنَّارَ ٱلْكُبْرَىٰ } * { ثُمَّ لاَ يَمُوتُ فِيهَا وَلاَ يَحْيَا }

وبيان ذلك: أنّ الخلق في كيفيّة قبول دعوة النبوّة وتبليغ الرسالة، وإخراجهم بتعليم الهداية عن ورطة الضلالة، ينقسمون إلى قسمين:

منهم من ينتفع بتعليم الأنبياء، ويتذكّر بتذكير المرسلين، لأجل رقّة قلبه، ولين طبعه، وخوفه وخشيته من سوء العاقبة.

ومنهم من لا ينتفع ولا يتذكّر. وذلك لغِلظة قلبه وجمود طبعه، وغفلته عن عواقب الأمور، ونسيانه أمر الآخرة وأمر النفس، وكيفيّة عوده إلى النشأة الثانية.

فالقسم الأوّل: هو المشار إليه بقوله: { سَيَذَّكَّرُ مَن يَخْشَىٰ } - فإنّ الخشية والتذكّر متلازمان، كلّ منهما يوجب الآخرة فإنّ من سمع دعوة الأنبياء ثمّ خطر بباله أنّ هذه الدنيا واهية فانية، داثرة فاسدة على كلّ حال، فلو لم يشتغل بعمارة النشأة الآخرة، فربما وقع في الهلاك السرمدي، فقد حصل له الخوف، فإذا حصلت له هذه الخشية، تحمله على النظر في دعوة الأنبياء، والتأمّل في أمور الآخرة، ومراتب سعادة النفس وشقاوتها، وما به نجاتها أو هلاكها، وهذا التذكّر وهذا التذكير يبعثه على الاجتناب عن المعاصي والرذائل، والاكتساب للطاعات والفضائل، خوفاً من الهلاك والعذاب، وطمعا للنجاة والراحة، فهو الذي ينتفع بدعوة الأنبياء.

وأمّا القسم الثاني: الذين لا ينتفعون بدعوتهم، ولا تحملهم الخشية على تحصيل الدرجات، وطلب التخلّص عن العقوبات، فإليهم الإشارة بقوله تعالى: { وَيَتَجَنَّبُهَا ٱلأَشْقَى * ٱلَّذِى يَصْلَى ٱلنَّارَ ٱلْكُبْرَىٰ }. وذلك لأنّ من أعرض عن ذكر الآخرة لأجل تسلّط الشهوات الدنيويّة على قلبه، واستيلاء الحرص في طلب المآرب الحيوانيّة من المال والجاه والنساء والبنين وغيرها على طبعه، لا يكون بصدد استكمال النفس بالعلم والعمل، ولا يشتغل بفعل الطاعات وترك المعاصي والشهوات، فيتوغّل في الدنيا الدنيّة، ويخلد إلى الأرض، وتستحكم علاقته مع البدن والشهوات، وتقوى محبّته لها، وكلّ من اشتدّت محبّته وعلاقته لشيء، فإن زال اشتدّت محنته ومصيبته عند مفارقته ومزايلته عنه، فإذا مات الإنسان الذي تأكّدت علاقته الشوقيّة مع الدنيا ولذّاتها، فقد فارق ما كان محبوباً، وذهب إلى موضع ليس له به معرفة ولا له بأهل الآخرة انس ومعارفة، فالبضرورة، كان له أذى عظيم أعظم من احتراق هذه النار الدنيويّة التي هي النار الصغرى كلّ ذلك لأجل إعراضه عن الذكر في أمر آخرته عند رجوعه إلى بارئه، كما في قوله تعالى:وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً } [طه:124] وقد ظهر بالمشاهدة الروحانيّة للأنبياء ومن تبعهم حقّ المتابعة، ظهوراً أوضح من المعاينة الحسيّة، أنّ أصناف الآلام الأخرويّة المتعاقبة على روح من آثر الحياة الدنيا، ثلاثة كلّها روحانيّة واقعة قبل مقاساة عذاب النار الجسمانيّة، التي تكون في آخر الأمر، وهي حرقة المشتهيات، وخزي خجلة المفضّحات، وحسرة فوت المحبوبات.

وبيان كلّ منها يحتاج إلى بسط في الكلام لا يسعه هذا المقام.

السابقالتالي
2 3