الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير صدر المتألهين/ صدر المتألهين الشيرازي (ت 1059 هـ) مصنف و مدقق


{ إِن كُلُّ نَفْسٍ لَّمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ }

هذا جواب القسم، سواء كانت " إنْ " نافية، وذلك في قراءة " لمّا " مشدّدة، بمعنى " إلاّ " ، أو كانت مخفّفة من الثقلية - وذلك في قراءتها مخفّفة - على أنّ " مَا " صلة، إذ على أيّ التقديرين، وأيّة القراءتين هي مما يتلقّى به القسم، أي: ما كلّ نفس إلاّ عليها حافظ مهيمن عليها رقيب، أو أنّ كلّ نفس لَعَلَيْها قائم مقيت.

وإنّما أدخل سور الموجبة الكليّة في الشقّ الأوّل على النفس، ليعمّ جميع النفوس من المفارقات والفلكيّات والعنصريّات، والحافظ الرقيب لها على وجه العموم، هو الله سبحانه لقوله تعالى:وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ رَّقِيباً } [الأحزاب:52].وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ مُّقِيتاً } [النساء:85].

ولكلّ نفس رقيب خاصّ، وهو ملك يحفظ عملها ويحصي عليها ما تكسب من خير وشرّ.

روي عن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم): " وُكّل بالمؤمن مائة وستّون مَلَكاً يذبّون عنه كما يذبّ عن قصعة العسل الذباب، ولو وكّل العبد إلى نفسه طرفة عين لاختطفته الشياطين ".

وللنفوس الإنسانيّة رقيب واحد عقليّ يسمّى بـ " روح القدس " عند أهل الشرع، وبـ " العقل الفعّال " عند الحكماء، وبـ " روان بخش " عند الحكماء الفارسيّين - وسيأتي إيضاحه.

فإن قيل: إذا حملت " إن " على إنْ المخفّفة، كان ذلك صحيحاً، وأمّا إن حملت على النافية فيكون المعنى: " ليس كلّ نفس " فيكون السور سور السلب الجزئي، فلا يعمّ. فما وجه التوفيق بين القراءتين؟

قلنا: نجيب عنه من وجهين:

الأوّل: إنّ السور وأمثاله من المصطلحات المحدثة، ولا يجب تطبيق كلام الله عليه، واللفظ في جوهره يفيد العموم لأنّه نكرة وقعت في سياق النفي - على ما هو مبيّن في كتب الأصول والعربيّة -.

والثاني: أنّه لمّا تبيّن بالدلالة العقليّة أنّ لكلّ نفس حافظاً، وقد عبّرت عنه القراءة الأولى. فالقراءة الثانية وإن دلّت على السلب الجزئي، فالأوْلى أن يحمل على العموم مجازاً، ولصدق السلب الجزئي على السلب الكليّ صدق العامّ على الخاصّ، وذلك إذا أُخِذَ لا بشرط شيء - كما تقرّر في علم الميزان - ليحصل التوافق بين القراءتين والجمع بين الدلالتين.

هداية عقلية

أدلة تجرّد النفس

من تأمّل في حال النفوس الإنسانية، لعَلِم يقيناً أنّ لها حافظاً عقليّا هو مَلَك من الملاكئة المقرّبين، وله جنود وأعوان من جنس الملائكة الذين مرتبتهم دون مرتبة المقرّبين، كما دلّ عليه الحديث المنقول آنفاً، وذلك لأنّ النفس جوهر مجرّد، أمّا جوهريّتها فلكونها محلّ الصفات المتعاقبة عليها مع بقائها، وهو من خواصّ الجواهر، وأمّا تجرّدها عن الموادّ فبأدلّة كثيرة:

منها: أنّها تدرك المعقولات، وهي معان مجرّدة عمّا سواها، وكلّ إدراك فهو بحصول صورة المدرَك أو حضور ذاته عند المدرِك، وكلّما يحصل في جسم فإنّه يؤثّر فيه ما يلزم الجسم في وجوده الإنفعالي، وتشخّصه المادّي، - مثل الشكل والمقدار والوضع وغيرها -، فلو حصل معقول في جسم لكان يحصل له مقدار وشكل ووضع، فكان يخرج عن أن يكون معقولا، بل يكون محسوسا تنفعل عنه الحواسّ عند المصادفة.

السابقالتالي
2 3 4