الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير صدر المتألهين/ صدر المتألهين الشيرازي (ت 1059 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ هَادُوۤاْ إِن زَعمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَآءُ لِلَّهِ مِن دُونِ ٱلنَّاسِ فَتَمَنَّوُاْ ٱلْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } * { وَلاَ يَتَمَنَّونَهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْديهِمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِٱلظَّالِمِينَ }

وفيه إشراقات:

الإشراق الأول

في اللغة

هَاد يَهُودُ: إذا تهوَّد، أي: انتحل مذهبهم ورأيهم في ذات الله وصفاته وأفعاله وكتبه ورسُله واليوم الآخر. أمّا في الذات: فكذهابهم إلى أنّه تعالى ذو ولد وصاحبة. وأمّا في صفاته: فبإلحادهم فيها وتشبيههم. وأمّا في الأفعال: فبإنكارهم النسخ والتغيير، وقولهم يد الله مغلولة. وأمّا في الكتب والرسل: فبإنكارهم حقيقة القرآن وحقيقة الرسول المنذر به. وأمّا في اليوم الآخر: فلما قالوا:لَن تَمَسَّنَا ٱلنَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً } [البقرة:80].

و " الزعَم ": قول عن ظنّ وتخمين.

والأولياء: جمع وليّ، وهو الحقيق بالنصرة التي يوليها عند الحاجة، والله وليّ المؤمنين لأنّه يولّيهم النصرة عند حاجتهم، والمؤمن وليّ الله لهذه العلّة لأنّه ينصر دينه، ويجوز أن يكون لأنّه يولي المطيع له وينصره وعند حاجته.

و " التَمْنّي ": قول القائل لِما كان: ليتَه لم يكُن. ولما لم يكن: ليتَه كان، فهو يتعلّق بالماضي والمستقبل، وهو من جنس الكلام عند الجبائي والقاضي، وقال أبو هاشم: هو معنى في النفس يوافق هذا القول. وهو ليس بشيء، إذ جميع أقسام الكلام - خيراً كان أو انشاءً - من هذا القبيل، حيث أنّ لها معاني في النفس وضعت بازاء ألفاظ تطابقها وتوازيها.

وقرأ: فَتَمَنَّوِا الْمَوْتَ - بكسر الواو - تشبيهاً بلَوِ استَطَعْنَا.

و " لا " كـ " لَنْ " لنفي المستقبل، ولا فرق بينهما إلاّ أنّ في " لَن " زيادة تأكيد أو تأييد ليس في " لاَ ". فأتى مرّة مؤكداً: وَلَنْ يَتمَنّوهُ. ومرّة بدونه: " وَلا يَتمَنّونَه ".

الإشراق الثاني

في النظم

لمّا تقدّم ذكر اليهود في إنكارهم لما في التوارة من المعاني التي تستنبط منها أو تتضح فيها بعثة النبي (صلى الله عليه وسلم) وتحريفهم الكلم عن مواضعه كما هو عادة المتشبّثين بذيل الدنيا وشهواتها وأغراضها من صرفهم الكتاب إلى معان توافق طباعهم الخبيثة وتناسب مقاصدهم الخسيسة، وادّعاؤهم مع ذلك أنّهم من أولياء الله وأنصاره دينه، أمر سبحانه نبيّه أن يخاطبهم بما يفحمهم فقال: قُلْ - يا محمّد - { قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ هَادُوۤاْ } - أي انتحلوا دين اليهود واتّصفوا بأوصافهم - { إِن زَعمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَآءُ لِلَّهِ } - أي إن كنتم تظنّون على زعمكم أنّكم أنصار الله وأنّ الله ينصركم - { مِن دُونِ ٱلنَّاسِ فَتَمَنَّوُاْ ٱلْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } - في دعواكم أنّكم أولياء الله وأحبّاؤه، فإنّ الموت من أسباب الوصلة إليه تعالى.

ثمّ أخبر عن حالهم وكذب مقالهم وفساد زعمهم وقبح سيرتهم ودغل سريرتهم وسوء شكيمتهم واضطراب رأيهم وتزلزل دعواهم ووخامة عاقبتهم وآخرتهم وأنّهم غير واقفين بما يقولون إذ ليس بناؤه على أصل صحيح عاقبتهم متين.

السابقالتالي
2 3 4 5