الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير صدر المتألهين/ صدر المتألهين الشيرازي (ت 1059 هـ) مصنف و مدقق


{ يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ ٱلْمَلِكِ ٱلْقُدُّوسِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَكِيمِ }

جرّ هذه النعوت لأنها تابعة للاسم المجرور. وفي الكشّاف: قرئت صفات الله تعالى بالرفع على المدح، كأنّه قيل: " هو الملك القدّوس " ، ولو قرئت منصوبة لكان وجهاً، كما قيل: " الحمد لله أهل الحمد ".

أي: يقدّس الله وينزّهه ويمجّده كلّ ما في العلو والسفل والملكوت الأعلى والأسفل. وإنّما قال مرّة: { سَبِّحُ لِلَّهِ } بصيغة الماضي، ومرّة: { يُسَبِّحُ لِلَّهِ } بصيغة المضارع ليكون تنبيهاً للناظر الخبير والأديب الأريب على دوام وقوع تنزيهه عن صفات الموجودات المتغيّرات، وعن سمات الممكنات الثابتات فيما سبق وفيما لحق، أي: سبّح له سوابق الممكنات، ويُسبّح له لواحق الكائنات ممّا في الأرض والسموات من جهة أسبابها وعللها السابقة، وعوارضها ونتايجها اللاحقة.

إشراق

الأسماء الحسنى في الآية الشريفة

قد مر تفسير لفظ الجلالة في تفسيرنا لآية الكرسي.

والملك الحقّ: ما له وجود كلّ شيء ويفتقر إليه كلّ شيء. فإنّ مَن لا يكون موجداً الكلّ ما سواه لم يكن له التصرّف في شيء واحد من الأشياء حيث شاء ومتى شاء وبأيّ وجه شاء، فلم يكن ملكاً حقّا لشيء، بل مع شركة من الغير وافتقار له إلى الغير، فكلّ ملك حقّ يجب أن يكون موجد الكلّ وإله الجميع.

و " القدّوس ": هو المجرّد المستغني في وجوده وحقيقته عن التعلقّ والارتباط بغيره سواء كان ذلك الغير فاعلاً له، أو غاية، أو مادّة، أو صورة أو موضوعا أو عَرَضاً، أو جزءً مطلقاً، وسواء كان التعلّق في الخارج، أو في العقل، كتعلّق وجود الشيء ذي الماهيّة بماهيّته، وكتعلّق النور بجنسه أو فصله، أو تعلّق أحدهما بالآخر، فالله سبحانه مقدّس عن التعلّق بشيء من المبادئ المقوّمة بسبب من الأسباب المحصّلة، لا سبب به يحصل، ولا سبب له يوجد، ولا منه ولا عنه ولا فيه ولا مَعَهُ، لأنّ كلاًّ من هذه الأمور تسقط أوّليّته وتصادم تقدّمه وإلهيّته، وهو مبدأ للأشياء ومنتهاها، وأوّلها وآخرها وظاهرها وباطنها.

و " العزيز ": بالحقيقة هو المتبّرئ عن كل نقص وآفة، والمتمجّد عن كلّ قصور وشَين، والممتنع عن أن تصل إلى نيل جلاله أفهام العاقلين فضلاً عن الغافلين، أو أن تدرك كنه جماله أنظار الموحّدين فضلاً عن أوهام الملحدين والمعطّلين.

و " الحكيم ": العالِم الذي يعلم نظام الخير في الأشياء ويضع الأشياء على وجه يوّدي إلى غاياتها الذاتيّة وتترتّب عليها وجوه المنافع وتتخلّى عن الشرور والآفات بقدر الإمكان، وبالجملة، على وجه يؤدّي المجموع إلى الخير المحض والاجمال المطلق والكمال الأتمّ والجلال الأرفع.

فالحكمة مفهومها متحصّل من علم تامّ وقدرة بالغة. إذ القدرة صفة تؤثّر وفق العلم والإرادة، وهي فينا من الكيفيّات النفسانيّة مصحّحة للفعل وتركه، وقوّة على الشيء وضده، وتعلّقها بالطرفين على السويّة، فلا تكون تامّة لأنّها فينا إمكان صِرْف وقوّة محضة لأنّ مبادي أفاعلينا الاختياريّة واردة علينا من خارج - كالعلم بالفائدة أو ما في حكمه -، ثمّ الشوق، ثمّ الإجماع المسمّى بالإرادة والكراهة.

السابقالتالي
2 3 4 5