الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير صدر المتألهين/ صدر المتألهين الشيرازي (ت 1059 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ ٱللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ ٱلْحَقِّ وَلاَ يَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ ٱلأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ }

قرأ نافع: " وما نزل " خفيفة الزاي. والباقون بالتشديد. فعلى الأول يكون المرفوع ضميراً عائداً إلى الموصول، وعلى الثاني هو عائد إلى الله، والعائد إلى الموصول ضمير منصوب محذوف من الصلة.

وقرأ رويس: " ولا تكونوا " بالتاء على الالتفات، أو على النهي عن مماثلة أهل الكتاب في قسوة القلوب. والباقون بالياء عطفاً على " تخشع ".

ألم يأنِ - من " أنى الأمر يأني ": إذا جاء أناه، أي وقته. و " الخشوع ": لين القلب والانقياد للحق، ومثله " الخضوع ". و " القسوة ": غلظ القلب بالجفاء عن قبول الحق. و " الحق ": ما دعا إليه العقل السليم من الأمراض النفسانية، وهو الذي من عمل به نجا، ومن عمل بخلافه هلك.

وهذه الآية قيل: إنها نزلت في المنافقين بعد الهجرة بسنة. وقيل: إنها نزلت في المؤمنين.

قال ابن مسعود: ما كان بين إسلامنا وبين أن عوتبنا بهذه الآية إلا أربع سنين، فجعل المؤمنون يعاتب بعضهم بعضاً.

وعن ابن عباس: ان الله استبطأ قلوب المؤمنين فعاتبهم على رأس ثلاث عشرة من نزول القرآن بهذه الآية.

وعن الحسن: أما والله لقد استبطأهم الله وهم يقرؤون من القرآن أقلّ ممّا تقرؤون، فانظروا في طول ما قرأتم منه، وما ظهر فيكم من الفسق.

وقيل: كانت الصحابة بمكة مُجدِبين، فلمّا هاجروا أصابوا الرزق والنعمة سنين، فتغيّروا عما كانوا عليه، وينبغي للمؤمن أن يزداد يقيناً وإخلاصاً في طول صحبة الكتاب.

والمعنى: أمَا حَانَ للمؤمنين - أي المنتسبين إلى الإيمان - أن تخشع قلوبهم وترقّ لذكر الله - مما يذكرهم الله وصفاته وأفعاله، وكيفية كونه مبدأً للعباد ومعاداً لهم يوم الميعاد، وما نزل من الحق من الآيات والنُذُر القرآنية؟، والمراد من الخشوع لها: خشية القلوب عند ذكر الله، وتقوّي إيمانهم عند تلاوة آياته، كقوله:إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً } [الأنفال:2].

ومن شدّد فالمراد ما نزّله الله من المعارف الحقّة.

ولا يكونوا - كأهل الكتاب الذين كانوا في العهد الأول فطال عليهم الأمد، أي: الزمان بينهم وبين نبيّهم، أو الأمد للجزاء - أي: لم يعاجلوا بالعقوبة أو مجيء القيامة. وقرئ: " أمدّ " أي الوقت الأطول، فاغترّوا بذلك، فقست قلوبهم - أي: غلظت وجَفَت، - وكثير منهم فاسقون - خارجون عن دينهم، متمرّنون على المعاصي، معتادون بها، فكانوا بحيث لا ينفعهم نصح الأنبياء، ولا ينجع معهم وعظ الواعظين، ومن لا ينفعه في الدنيا نصح الناصحين، لا تنفعه في الآخرة شفاعة الشافعين، فلا تكونوا مثهلم فيحكم الله فيكم بمثل ما حكم فيهم.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8