الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير صدر المتألهين/ صدر المتألهين الشيرازي (ت 1059 هـ) مصنف و مدقق


{ يَوْمَ يَقُولُ ٱلْمُنَافِقُونَ وَٱلْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُواْ ٱنظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ قِيلَ ٱرْجِعُواْ وَرَآءَكُمْ فَٱلْتَمِسُواْ نُوراً فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ ٱلرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ ٱلْعَذَابُ } * { يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ قَالُواْ بَلَىٰ وَلَـٰكِنَّكُمْ فَتَنتُمْ أَنفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَٱرْتَبْتُمْ وَغرَّتْكُمُ ٱلأَمَانِيُّ حَتَّىٰ جَآءَ أَمْرُ ٱللَّهِ وَغَرَّكُم بِٱللَّهِ ٱلْغَرُورُ } * { فَٱلْيَوْمَ لاَ يُؤْخَذُ مِنكُمْ فِدْيَةٌ وَلاَ مِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مَأْوَاكُمُ ٱلنَّارُ هِيَ مَوْلاَكُمْ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ }

قرأ حمزة: " انْظِرونا " ، بقطع الهمزة وفتحها وكسر الظاء، من " النَظِرَة " ، وهي: الإمهال. أطلق على الإيطاد والتبطّي في المشي إلى أن يدرك المتأخر المتقدم. وقرأ الباقون: " انْظُرونا " بهمزة الوصلة المضمومة، أي: انتظرونا، لأنهم كالبروق الخاطفة مسروع بهم على ركاب تذف، وهؤلاء مشاة حفاة بطيئو السير، أو انظروا إلينا لنستقبلكم بوجوهكم فنستضيء بكم، لأن النور قدّامهم فيحصل الاقتباس من نورهم عند المواجهة.

وقرأ أبو جعفر وابن عامر ويعقوب: " لا تؤخذ منكم " بالتاء لتأنيث الفاعل، وقرأ الباقون بالياء، للفصل الواقع بين الفعل والفاعل، ولأنّ التأنيث غير حقيقي.

وقرئ: " الغُرور " بضم الغين، معناه الاغترار - بتقدير المضاف، أي وغرتكم بالله سلامة الاغترار، أي سلامة حالكم مع اغتراركم.

وقال الزجّاج: الغرور: كل ما غرّ من متاع الدنيا.

وقوله: " يقول " بدل: من: " يوم ترى " ، يعني: ذلك اليوم، يومَ يقول أهل النفاق للذين آمنوا ظاهراً وباطناً: " انْظُرونا نستضيء بنوركم ونبصر الطريق فنتخلص من هذه الظلمات " ، لان المنافقين إذا خرجوا من قبورهم اختلطوا فيمشون في نورهم، فيسرع المؤمنون بقوة إيمانهم، فيتباعد المنافقون عنهم بالتخلف، فيقطع أثر نورهم عنهم.

قيل ارجعوا وراءكم: القائل: إما المؤمنون، أو الملائكة الهادون لهم. ارجعوا إلى الموقف خلفكم فالتمسوا هنالك النور حيث أُعطيناه، فمن ثم يقتبس ويحمل، فيرجعون فلا يجدون نوراً لظنهم أنهم أخذوا النور من موضع هناك، ولا يعلمون أن هذا النور يُكتسب في الدنيا بتحصيل سببه - وهو الإيمان -، بل هذا النور وهو نفس الإيمان والمعرفة ليظهر إشراقه عند القيامة. وقولهم: " ارجعوا " ، توبيخ في صورة الأمر، لاستحالة هذا الرجوع أو التناسخ. أو أمر بمعنى: تنحّوا عنا خائبين، فالتمسوا نوراً آخر فلا سبيل لكم إلى هذا النور. وهو إقناط وتخييب لهم، لأنهم يعلمون أن لا نور وراءَهم، ويحتمل أن تكون للمنافقين مرتبة ضعيفة من النور غير كافية للمشي إلى الجنة وهم يدعون الزيادة، فوقع المنع لهم من المؤمنين: أن ليس لكم إلا ما اكتسبتم من خلفكم - أي الدنيا - فارجعوا من هذا الاطّلاع على ما وراءكم فالتمسوا نوراً من عملكم واكتفوا به ضرورة، فيكون امراً تحقيقاً.

فضُرب بينهم - أي بين الفريقين - بسور: والباء مزيدة - أي حجاب حائل بين شق الجنة وشق النار. وقيل: هو حائط بين الجنة والنار. وقيل: هو الأعراف.

له باب - أي: لذلك السور باب، وقيل: أي طريق لاهل الجنة يدخلون إليها. باطن السور أو الباب الذي يلي الجنة، فيه الرحمة، وظاهره الذي يظهر لاهل النار - من قِبَله - أي من عنده ومن جهته، العذاب، وهو الظلمة والنار.

السابقالتالي
2 3 4 5