الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير صدر المتألهين/ صدر المتألهين الشيرازي (ت 1059 هـ) مصنف و مدقق


{ يَوْمَ تَرَى ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَىٰ نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم بُشْرَاكُمُ ٱلْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ }

الظرف متعلق بقوله: وله أجر كريم. أو منصوب بتقدير " أذكر " ، تعظيماً لذلك اليوم. فعلى الأول معناه: يصل هذا الأجر الكريم إليهم يوم القيامة، - وهو يوم يسعى للمؤمنين نورهم بين أيديهم وبأيمانهم إلى الجنة، فإن الطريق إلى جنّة المقرّبين إنما يكون على الوجه الأول -، لأنها عقلية واقعة في سلسلة الأسباب المؤدية إلى وجود الإنسان، يسلكها العالم الربّاني مرتقياً إليها بأنوار المعارف العقلية - وإلى جنّة السعداء على الوجه الثاني -، لأنها جسمانية واقعة في السلسلة العرضية المعلولية، فيتوجه إليها أهل النسك والصلاح وأصحاب اليمين، منعطفاً إليها بنور العبادة وقوة الأعمال الحسنة، ولهذا المعنى قيل: - اليمين طريق الجنة -.

وقد صرح بعض أهل الكشف والعرفان، بأن البرزخ الذي تكون الأرواح فيها بعد المفارقة من النشأة الدنيوية، هو غير البرزخ الذي بين الأرواح المجردة والأجسام، لان تنزلاّت الوجود ومعارجه دورية، لكنهما يشتركان في كونهما عالماً نورانياً وموطناً ملكوتياً، فالسعداء مطلقاً يؤتون صحائف أعمالهم من هاتين الجهتين، كما أن الأشقياء يؤتونها من شمائلهم ووراء ظهورهم.

وقوله: { بُشْرَاكُمُ } اليوم؛ بمنزلة حال، أي: يسعى نورهم حين يقول لهم الملائكة الذين يتلقونهم: { بُشْرَاكُمُ ٱلْيَوْمَ } ، وهؤلاء الملائكة المبشرون بالجنات مختلفو الدرجات في القرب إليه تعالى حسب تفاوت منازل أهل الجنان في التقديس والخلوص، مع اتفاقهم في حصول الحقائق وصورها الحسان، فالجميع { جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } أي: الخلاص عن كل مرهوب، والظفر بكل محبوب، فإن كل واحد من أهل الجنان له ما يشتهيه وتصل إليه همّته، إلاَّ أن الهمم متفاوتة حسب تفاوت الأحوال.

قال ابن عباس رضي الله عنه: " هذا النور يكون على الصراط ". وقيل: " في عرصة القيام’ ". ولا نور هنالك إلاَّ نور الإيمان والطاعة، وكل يعطى نوراً على قدر علمه (عمله).

مكاشفة

هذا النور المشار إليه في هذه الآية، هو نور المعرفة واليقين، فإن النفس الإنسانية من عالم النور والمعرفة، لكنها بسبب التعلق بعالم الأجسام الكثيفة صارت ظلمانية محجوبة عن الإدراكات، فإذا ارتاضت ذاتها بالرياضات الدينية والأعمال الشرعية من الأفكار والأذكار والعبادات، وخرجت من مرتبة القوى الهيولانية إلى مرتبة الفعلية، حصل لها العقل المستفاد، وهو نور يستضيء ويضيء في المعاد، فصار نوراً على نور. وهذا النور العارض، إنّما يُقذف في قلب المؤمن من عالم الملكوت، بسبب اكتساب العقليات واليقينيات عند تصوره الخير الحقيقي، أو بسبب اكتساب الاعتقادات المحمودة والظنون الحسنة عند تصوّره الخير المظنون.

فالأول: نور عقلي يختص بالمقرّبين، يسعى بين أيديهم، ويصعد بهم إلى جوار الله وجنّاتِ المعارف العقلية التي قيل في وصفها: " مَا لاَ عَيْن رَأت ولا أُذُن سمعت ولا خَطَرَ على قلب بشر ".

السابقالتالي
2 3