الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير صدر المتألهين/ صدر المتألهين الشيرازي (ت 1059 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلَوْلاَ إِذَا بَلَغَتِ ٱلْحُلْقُومَ } * { وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ } * { وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَـٰكِن لاَّ تُبْصِرُونَ } * { فَلَوْلاَ إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ } * { تَرْجِعُونَهَآ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ }

ترتيب الكلام وأصله هكذا، فلولا ترجعونها إذا بلغت الحلقوم إن كنتم غير مدينين. وباقي الكلام وقع اعتراضاً أو تأكيداً. أي: فلولا ترجعون النفس - أي: الروح المحتضر - إن كنتم غير مدينين، أو في تكذيبكم البعث أو غيره صادقين إذا بلغت الحلقوم عند الموت، وأنتم يا أهل الميّت حينئذ ترون تلك الحال منه، وقد صار إلى أن تخرج منه روحه. فـ " لولا " الثانية مكرّرة مؤكّدة للأولى، والمستكنّ المرفوع في: " بلغت " والبارز المنصوب في " ترجعونها " للنفس، والمجرور في: " أقرب إليه " للمحتصر.

و { غَيْرَ مَدِينِينَ } - أي: غير مسوسين بسياسة. من دان السلطان رعيّته إذا ساسهم.

وقوله: { وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ } إثبات لمعيّته تعالى لكلّ شيء وقربه منه معيّة قيّوميّة وقرب معنوي إلهي، لا بمداخلة ولا بمماسّة كمعيّة جسم لجسم، ولا كمعيّة صورة لمادّة، ولا كعرَض لمحلّ ولا بالعكس، ولا كمعيّة مقوّم الماهيّة - كالجنس والفصل - للماهيّة، أو مقوّم الوجود كالمادّة والصورة للموجود المتقوّم بهما خارجاً أو عقلا - فإنّ الباري قيّوم لكلّ شيء وغاية له، لأنّه مقوّم لشيء بأحد هذه المعاني. وأقرب أسباب الشيء ومقوّماته إليه هو الفاعل الحقيقي، والغاية له، لأنّه مسبّب الأسباب من غير سبب.

وقيل المعنى: ونحن أقرب إليه بقدرتنا وعلمنا، ومرجع هذا الكلام أيضاً إلى ما مرّ. لأنّ قدرته وعلمه غير زايدين على ذاته.

وقيل المعنى: ورُسلنا الذين يقبضون روحه أقرب إليه منكم، ولكن لا تبصرون رسلنا ولا تعلمون قبضهم للأرواح من الأجساد، لأنّ إدراك الأمور الأخرويّة ومقدّماتها موقوف على وجود البصيرة الباطنة، وهي إنّما تختصّ بأهل الله وأصحاب الكشف والشهود، وأما قوله:وَلَوْ تَرَىۤ إِذِ ٱلظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ ٱلْمَوْتِ وَٱلْمَلاۤئِكَةُ بَاسِطُوۤاْ أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوۤاْ أَنْفُسَكُمُ } [الأنعام:93].

حيث أتى بلفظة " لو " الدالّة على النفي أو الامتناع، مع كون المخاطب هو الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): فليس متعلّق " لو " نفس الرؤية مطلقا ليدلّ على نفيها أو نفي إمكانها منه مطلقاً، بل مقيّدة بجماعة مخصوصة أو زمان مخصوص قبل موتهم أو بعده، أو بغير ذلك من الموانع الخارجيّة، وإلاّ فالنبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) كان عارفاً بملائكة الموت وعدد أيدهم وكيفيّة إخراجهم لنفوس الكفّار عن أبدانهم، وبملائكة الحياة وأعوانهم وكيفيّة قبضهم لأرواح المؤمنين من أبدانهم ونفوسهم.

ومعنى الآية: إنّكم أيّها الجاحدون لحقائق الإيمان، والمنكرون للنشأة الآخرة والبعث والصراط والميزان، ورجوع الخلايق كلّها إلى الرحمن الرحيم، والذاهبون إلى مذهب الإهمال والتعطيل في كلّ شيء ينسب إلى الحقّ المنّان، وملائكته المدبّرين للأكوان، المقتصرون على عالَم الحسّ والشهادة، حيث إنّكم تجحدون أفعال الله وآياته وملائكته ورسله في كلّ شيء، فتنسبون الكتاب والكلام إلى الشعر والإفتراء، وتنسبون الأرزاق إلى النجوم التي في السماء، ومصادفة الأمطار في وقت الحاجة وزمان الدعاء إلى الأنواء، والحياة والموت والصحّة والمرض وغيرها إلى تأثير الأمزجة والأهوية، وتلتمسون الشفاء من الأدوية فمالكم لا تُرجعون الروح إلى البدن بعد بلوغها الحلقوم، وإن لم يكن ثم قابض ومُخرج من الأمور الغائبة عن عالَمكم عالَم الشهادة والأسباب البعيدة عن شهود إدراككم، فهلاّ إن كنتم صادقين في دعواكم تَرجعونها بالتدابير الطبِّية والبخورات والعزائم الكهانيّة والنيرنجات والطلسمات النجوميّة، ولو على سبيل الندرة والإتّفاق -، إن لم يكن قضاء حتم وقدَر لازم من أمر الله بموت كلّ إنسان في وقت معيّن لا يحيط به علم البشر.

السابقالتالي
2 3 4