الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير صدر المتألهين/ صدر المتألهين الشيرازي (ت 1059 هـ) مصنف و مدقق


{ لاَّ يَمَسُّهُ إِلاَّ ٱلْمُطَهَّرُونَ }

إنّ القرآن كالإنسان المنقسم إلى سر وعلن، ولكلّ منها ظهر وبطنٌ، ولبطنه بطن آخر - إلى أن يعلمه الله - ولعلانيته علانية أخرى إلى أن تدركه الحواسّ وأهلها.

أمّا ظاهر علَنه فهو المصحف المحسوس المَلموس، والرقم المنَقوش الممسوس.

وأمّا باطن علنه فهو ما يدركه الحسّ الباطن، ويستثبته القرّاء والحفّاظ في خزانة محفوظاتهم كالخيال ونحوه، والحسّ الباطن لا يدرك المعنى صِرفاً، بل خلطاً مع عوارض جسمانيّة، إلاّ انّه يستثبته بعد زوال المحسوس، فإنّ التخيّل والوهم أيضاً كالحسّ لا يحضران في الباطن المعنى الصرف كالإنسانيّة المطلقة، بل نحو ما يدركه الحسّ من خارج مخلوطاً بزوايد وغَوَاشٍ من كمٍّ وكيفٍ وضعٍ وأيْنٍ، فإذا حاول أحدهما أن تتمثّل له الصورة الإنسانيّة المطلقة بلا زيادة أخرى لم يمكنه ذلك، بل إنّما يمكنه اشتثبات الصورة المقيّدة بالعلايق المأخوذة عن أيدي الحواسّ وإن فارق المحسوس، بخلاف الحسّ فإنّه لا يمكنه ذلك، فهاتان المرتبتان من القرآن أوّليتان دنويتان مما يدركه كلّ إنسان.

وأمّا باطنه وشرّه فهما مرتبتان أخرويّتان لكلّ منهما درجات:

فالأولى ممّا تدركه الروح الإنسانيّة التي تتمكّن من تصور المعنى بحدّه وحقيقته، منفوضاً عنه اللحواق القريبة، مأخوذاً من المبادي الفعالة من حيث تشترك فيه الكثرة وتجتمع عنده الأعداد في الوحدة، ويضمحلّ فيه التخالف والتضادّ وتتصالح عليه الآحاد، ومثل هذا الأمر لا تدركه الروح الإنسانيّة ما لم تتجرد عن مقام الخلق، ولم تنفض عنها الحواسّ ولم ترتقِ إلى مقام الأمر متّصلة بالملأ الأعلى، إذ ليس من شأن المعقول من حيث هو معقول أن يحسّ، كما ليس من شأن المحسوس من حيث هو محسوس أن يعقل، ولن يستتمّ الإدراك العقلي بآلة جسمانيّة، فإنّ المتصوّر فيها مخصوص مقيّد بوضع ومكان وزمان، والحقيقة الجامعة العقليّة لا تتقرّر في منقسم مشار إليه بالحسّ، بل الروح الإنسانيّة تتلقّى المعقولات بجوهر عقلي من حيّز عالَم الأمر ليس بمتحيّز في جسم ولا متمكّن في حسّ ولا داخل في وهم. ثمّ لمّا كان الحسّ تصرفه فيما هو من عالَم الخلق والعقل تصرفه فيما هو من عالَم الأمر، فما هو فوق الخلق والأمر فهو محتجب عن الحسّ والعقل جميعا، ولا شكّ أنّ كلام الله من حيث هو كلامه قبل نزوله إلى عالَم الأمر - وهو اللوح المحفوظ - وقبل نزوله إلى عالم السماء - وهو لوح المحو والإثبات وعالم الخلق - له مرتبة فوق مرتبة الخلق والأمر جميعا فلا يتلاقاه ولا يدركه أحد من الأنبياء إلاّ في مقام الوحدة الإلهية عند تجرّده عن الكونين - الدنيا والآخرة - وعروجه وخرقه العالَمين - الخلق والأمر -.

كما قال أفضل الأنبياء:

السابقالتالي
2