الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير صدر المتألهين/ صدر المتألهين الشيرازي (ت 1059 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ } * { فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ }

وقرئ: " المتطهّرون " ، و " المُطَّهرون " بالإدغام و " المطّهرون " من أطهره بمعنى طهره، والمطهرون بصيغة الفاعل بمعنى أنّهم يُطَهرون أنفسهم أو غيرهم بالتعليم والاستغفار لهم، إذ القرآن الكريم عند الله، لكونه كلام الله، يتكلّم به خواصّ ملائكته وصفوة أنبيائه في الدنيا، وخواصّ عباده المؤمنين في الآخرة، لدلالة قوله وَلا يُكلِّمهم الله عليه بالمفهوم، ولأنّه رفيع المرتبة مصون عن النسخ ومحفوظ عن التغيير والتبديل لكونه علما بحقايق الأشياء التي لا تتبدّل بتغيير الملل والمذاهب، فهو عند الله شريف المنزلة.

وقيل: إنّه كريم بمعنى أنّه كثير المنفعة، وهو أيضاً حقُّ لأنّه عامّ المنافع كثير الخيرات والبركات، ينال الأجر العظيم بتلاوته تاليه، ويفوز بالثواب الجسيم العامل بما فيه، ولكونه نوراً يهتدى به في ظلمات الأرض كما قال:وَلَـٰكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَآءُ مِنْ عِبَادِنَا } [الشورى:52] والنور كثير البركة لكونه حِكْمة، والحكمة مفتاح كلّ سعادة لقوله:وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً } [البقرة:269].

وقيل: إنّه كريم، بمعنى إنّه حسن مرضيّ في جنسه، لأنّه معجزة للنبي الكريم المشتمل على كلّ دقيق وجليل من العلوم، وعلى المواعظ والأحكام، والإخبار عن المغيّبات.

في كِتَاب مَكْنُونٍ - أي: مستور ما فيه عن الخلْق، لكونه من عالم الغيب، والخلق من عالَم الشهادة، بل مصون من أعين غير المقرّبين من الملائكة لا يطّلع عليه من سواهم، وسوى مَن وصل إلى مقامهم من الأنبياء المصطفَين، وذلك الكتاب هو اللوح المحفوظ عن المحو والتغير والنسخ، لأنّه جوهر مجرّد عال عن عالَم الأجرام التي يتطرّق إليها الكون والفساد وعن عالَم الألواح القدريّة التي يعتريها المحو والإثبات، وأرواحها التي يجري فيها النقل والتغيير والتبديل والنسخ، فهو بجوهره عالم عقليّ محلّ للقضاء الإلهيّ، ولوح كلّي مكتوب فيه جميع ما قضى الله بقلم الحقّ الأعلى كما في قوله (صلى الله عليه وآله وسلم).

" إنّ الله كتب كتاباً قبل أن يخلق الخلْق: إنّ رحمتي سبقت غضبي ".

فهو مكتوب عنده فوق العرش بقلم القدرة الإلهيّة - وهو المسمّى بـ " أمّ الكتاب " لقوله:وَإِنَّهُ فِيۤ أُمِّ ٱلْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ } [الزخرف:4] لأنّ جميع العلوم الحقّة الموسومة باللَّدُنيّة - التي لا تعلم إلاّ بتوفيق الله - ثابتة فيه فائضة منه بإفاضة الله على قلب من يشاء من عباده، كما قال:ٱقْرَأْ وَرَبُّكَ ٱلأَكْرَمُ * ٱلَّذِى عَلَّمَ بِٱلْقَلَمِ * عَلَّمَ ٱلإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ } [العلق:3 - 5]وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً } [النساء:113].

فكما أنّ عالَم اللوح القضائي - وهو مجموع الجواهر العقليّة والأرواح المفارقة بالكليّة التي هي مفاتيح الغيب لقوله تعالى:وَعِندَهُ مَفَاتِحُ ٱلْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَآ إِلاَّ هُوَ }

السابقالتالي
2