الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير صدر المتألهين/ صدر المتألهين الشيرازي (ت 1059 هـ) مصنف و مدقق


{ إِذَا وَقَعَتِ ٱلْوَاقِعَةُ } * { لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ }

هذا من قبيل قولك: كانت الكاينة وحدثت الحادثة، والمراد القيامة وساعتها. والناظرون في علم الكتاب بعين الاحتجاب، يظنّون أنّ زمان الآخرة وساعتها من جنس أزمنة الدنيا وساعتها، حتّى أنّهم يتوهّمون أنّ يوم القيامة يوم مخصوص متّصل أوّله بآخر أيّام الدنيا، فيشكل عليهم وقوع الإخبار عن وقوعه ووقوع حالاته بالفعل كما في هذه الآية.

وقد تكرّرت الأخبار عن وقوع القيامة وحالاتها في القرآن بألفاظ دالّة على ثبوتها وتحقّقها بالفعل، مثل قوله تعالى:وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَن فِي ٱلأَرْضِ } [الزمر:68]. وقوله:وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ } [الأعراف:43] - الآية -وَنَادَىۤ أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ... } [الأعراف:44]،وَنَادَىٰ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ... } [الأعراف:50]،وَنَادَىٰ أَصْحَابُ ٱلأَعْرَافِ... } [الأعراف:48] - الآيات - وأشباهها كثيرة، فوقعوا في تكلّف أرباب المجاز والمبالغة كما قيل في الكشّاف وغيره: " إنّها وُصفت بالوقوع لأنّها تقع لا محالة " ولم يتفكّروا بمعنى قوله تعالى:مَّا خَلْقُكُمْ وَلاَ بَعْثُكُمْ إِلاَّ كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ } [لقمان:28] فنسبة البعث إليه كنسبة الخلق.

فكما أنّ ايجاد الخلائق في أزمنتها وأوقاتها المتكثّرة المتجدّدة إنّما هو من قِبَل الله تعالى، وبالقياس إلى مجاوريه ومقرّبيه من ذوات الملائكة المقرّبين، وعقول أوليائه الصِدّيقين في دفعة واحدة - وإليه أشير بقوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): " جُفَّ القلمُ بما هو كائن " ، مع أنّه تعالى كل يوم هو في شأن، إذ له تعالى شأن واحد في شؤون كثيرة، حيث لا يشغله شأن عن شأن وزمان عن زمان، ولا مكان عن مكان، لتعاليه عن هذه الأشياء مع انبساط نور وجوده عليها، وارتفاعه عن الانحصار في عالم الأرض والسماء، مع شمول علمه ونزول رحمته إلى ما تحت الثرى -، فكذلك بعث الخلائق كلّهم من أجداثهم في لحظة واحدة من جهته لقوله:وَمَآ أَمْرُ ٱلسَّاعَةِ إِلاَّ كَلَمْحِ ٱلْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ } [النحل:77].

ومن خواصّ يوم القيامة، أنّ مقداره بالقياس إلى طائفة خمسون ألف سنة لقوله تعالى:تَعْرُجُ ٱلْمَلاَئِكَةُ وَٱلرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ } [المعارج:4]. وبالقياس إلى طائفة أخرى:كَلَمْحِ ٱلْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ } [النحل:77].إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً وَنَرَاهُ قَرِيباً } [المعارج:6 - 7].

وكذلك من خواصّ الساعة أنّها منتظرَةُ الوقوع بالقياس إلى طائفة:وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } [الملك:25].وَلاَ يَزَالُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ حَتَّىٰ تَأْتِيَهُمُ ٱلسَّاعَةُ بَغْتَةً } [الحج:55] وهي بالقياس إلى طائفة أخرى:وَأَنَّ ٱلسَّاعَةَ آتِيَةٌ لاَّ رَيْبَ فِيهَا } [الحج:7].

فقوله: " ليس " مع ما في حيّزه صفة " الواقعة ". ويحتمل أن يكون عاملاً في الظرف كما تقول: " اليوم ليس لي عمل " ، ولا يحتاج إلى تأويل " ليس " بـ " لا يكون " - كما في بعض التفاسير- بناء على أنّه لنفي الحال، فلا يكون عاملاً في ظرف لم يقع بعد لِما وقعت الإشارة إليه.

السابقالتالي
2