الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير صدر المتألهين/ صدر المتألهين الشيرازي (ت 1059 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ يُحْيِيهَا ٱلَّذِيۤ أَنشَأَهَآ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ }

قل يا محمد، لهذا المتعجب من الإعادة: إن المحيي لهذه العظام، المعيد لها يوم القيامة، هو الذي أنشأها أول مرة من المادة الترابية ثم المنوية، والتراب أبعد مناسبة إلى الصورة الإنسانية، وكذا النطفة الذائبة الواهنة الأساس، أبعد استعداداً في قبول التقويم من العظم الرميم، فمن قدر على اختراع شيء أولاً فهو على اعادته أقدر، وإنشاؤه عليه ثانياً أسهل وأيسر وهو بكل خلق عليم، سواء كان ابتدائياً أو إعادياً، فيعلم به قبل أن يخلقه أنه إذا خلقه كيف يكون، ويعلم به قبل أن يعيده أنه إذا أعاده كيف يكون، فيكون قادراً عليه.

اشارة

لا يعبد أن يكون المراد من قوله: وهو بكل خلق عليم، أن مجرد علمه تعالى بوجه الخير في كل شيء، هو السبب الداعي لوجود ذلك الشيء، ومن جملة الأشياء المعلومة له تعالى، إعادة الإنسان، فتكون لا محالة واقعة، لكون علمه تعالى فعلياً.

اشارة أخرى

يحتمل أن يراد أن أحياء العظام وردها إلى ما كانت غضّة رطبة ذات حياة وحسّ بعد موتها ويبسها وتفتّتها وإن كان بعيداً عن استعدادها واستحقاقها في نظر العقول البشرية، إلاّ أن لكل مادة من المواد يتصور بينها وبين أيّة صورة شريفة أو خسيسة تراد، أموراً متوسطة متلاحقة متفاوتة في القرب والبعد إلى تلك الصورة، ويكون لحوق تلك الأمور واحداً بعد آخر، مقرباً لها من الفاعل الواهب للصور، وطريقاً منها مؤدياً إلى قبول القدرة من خالق القوى والقدر، تسلكه وتنتقل إليه من درجة إلى درجة، حتى تصل إلى مرتبة يشتد بها الإستعداد لقبول تلك الصورة، وتتقرب بها من المعطي الجواد، فلكل شيء طريق خاص إلى الله تعالى إذا سلكه يصل إلى رحمته وفيض وجوده، إذ وجوده منبع كل الكمالات والخيرات - ولكل وجهة هو موليّها -.

فقوله: { وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ } ، أي أنه سبحانه عالم بكيفية خلق كل شيء، وبالطريق التي يتهيّأ بها وجوده، فيسبب أسبابه من تلك الطرق، فيوجده بعد تحصيل أسبابه، ففيه إشارة إلى إحاطة علمه بطرق تأدية الأشياء إلى ما قدّر لها في القضاء السابق، فيعلم طريق كل أحد إلى سعادته وخيره، وطريق كل أحد إلى شقاوته وضره، إلاّ أن الأول منوط بتوفيقه وتسديده، والثاني مترتب على ما كسبته أيدي الناس عند انحرافهم عن الصراط بمتابعة الناس والوسواس.

اشارة أخرى

هي أن الإنسان لا يحيط علمه بجميع وجوه المناسبات بين الأشياء، فلو اجتمع العقلاء وجمعوا عقولهم في أن يدركوا جهة المناسبة بين المغناطيس وجذبه للحديد لَمَا قدروا على ادراكها، فعلم أن في الطبيعة عجائب غريبة، وللقوى العالية الفعالة والقوى السافلة المنفعلة اجتماعات واتفاقات على أسياء نادرة، فلكل معلول أسباب خفيّة لا يعلمها إلاّ الله.

السابقالتالي
2