الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير صدر المتألهين/ صدر المتألهين الشيرازي (ت 1059 هـ) مصنف و مدقق


{ وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَن يُحيِي ٱلْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ }

" روي أن جماعة من كفار قريش منهم أُبَيّ بن خلف الجمحي وأبو لهب والعاصي بن وائل والوليد بن المغيرة تكلموا في ذلك، فقال واحد منهم: " ألا ترون إلى ما يقول محمد، أن الله يبعث الأموات؟ - ثم قال: - واللاتِ والعُزىّ لأَصِيرَنَ إليه وَلأَخْصِمنّه " وأخذ عظماً بالياً فجعل يفتّه بيده ويقول: " يا محمد أترى الله يحيي هذا بعد ما رَمّ؟ " قال (صلى الله عليه وآله وسلم): " نعم - ويبعثكم ويدخلك جهنم " ".

واختلفوا في القائل، فقيل هو أُبَيّ بن خلف - عن قتادة ومجاهد، وهو المروي عن أبي عبدالله الصادق (عليه السلام)، وقيل: القائل هو العاص بن وائل السهمي - عن سعيد بن جبير - وقيل: أُميّةُ بن خلف - عن الحسن -.

وتسمية الله قوله: { مَن يُحيِي ٱلْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ } مثلاً يحتمل وجوهاً:

أحدها: أنه ضرب المثل في انكاره البعث بالعظم البالي، وفتّه بيده، ويتعجب ممن يقول: " إن الله يحييه " ونسي خلقه، أي ترك النظر والتدبر في خلق نفسه، إذ خلق من نطفة، فإن النطفة الذائبة ليست في وهنها وبُعْدها عن الحياة أقل من العظم البالي في بُعْده عنه.

وثانيها: أن كونه مثلاً لأجل ما دلّ عليه من قصة عجيبة شبيهة بالمثل، وهي إنكارهم قدرة الله على إحياء الموتى بعد تسليمهم انشاءَه ابتداءاً.

وثالثها: لما فيه من التشبيه، لأن ما أنكر من قبيل ما سلّم من شمول قدرته تعالى بدليل النشأة الأولى.

ورابعها: لاشتماله على ما يوجب تشبيهه تعالى بخلقه في العجز من احياء شيء وإيجاد ماهية، فإن قدرته سارية في جميع الأشياء، فإذا قيل: " من الذي يحيي العظام الرميم " كان ذلك تعجيزاً لله وتشبيهاً له بخلقه في اتصافهم بالعجز عن ذلك.

و " الرميم ": اسم لما بلي من العظام، غير صفة كالرّمة والرُّفات ولذا لم يؤنث مع كونه وقع خبر المؤنث.

تبيان

في هذه الآية إشارة إلى أن معرفة النفس الإنسانية أساس الإيمان بالله واليوم الآخر، لأن قوله: { وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ } يدل على أن جحود الجاحد للحق إنما نشأ من نسيان ذاته وخلقه، فهو بمنزلة عكس لقوله:نَسُواْ ٱللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ } [الحشر:19] تأمل.

وَهْمٌ وتنوير

ومن الفقهاء من استدل بهذه الآية على أن الحياة سارية في العظام، ولولا أن الحياة تحلّها لما صحّ:قُلْ يُحْيِيهَا ٱلَّذِيۤ أَنشَأَهَآ أَوَّلَ مَرَّةٍ } [يس:79]، ففرّع عليه أن عظام الميتة نجسة، لأن الموت يؤثر فيها من قِبَل أنها مما تحلّه الحياة.

وهذا الاستدلال فاسد، لأن معنى إحياء العظام الرميم ليس تصيير العظام - بما هي عظام - أحياء، بل إحياؤها انبات أعضاء قابلة للحياة عليها، والغرض إثبات الإعادة للإنسان وصيرورته حياً بعد موته ورمّ عظامه، وليس الإنسان عظماً كما ليس لحماً وعَصَباً، بل مجموعاً مركباً من العظم واللحم وغيرهما.

ومعنى حلول الحياة في اللحم دون العظم - كما قيل - ليس أن اللحم بنفسه حيوان دون العظم، بل معناه أن بعض قوى الحيوان كالقوة اللمسيّة وغيرها سارية في اللحم بتوسط الروح البخارية والعصب الحامل إياها، وليست هي سارية في العظم، ولهذا إذا انقطعت الحياة عن الحيوان وفارقت نفسه، تلاشت الأعضاء النافذة فيها قوّة الحياة قريباً، وتغيّرت فوراً دون العظم والشعر وغيرهما.