الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير صدر المتألهين/ صدر المتألهين الشيرازي (ت 1059 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ آلِهَةً لَّعَلَّهُمْ يُنصَرُونَ } * { لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُندٌ مُّحْضَرُونَ }

لما ذكر لمعة من شواهد إلهيته، ودلائل توحيده وعظمته وقدرته، الموجبة للإهتداء إلى طريق معرفته وعبوديته وشكر نعمته، أشار إلى سقوط درجة النازلين إلى مهوى الهوى والهوان، الهابطين في مهبط الخزي والخسران، وهم الذين اتخذوا من دونه آلهة يعبدونها لكي ينصرونهم ويدفعوا عنهم عذاب الله، وبيّن فساد جهلهم الذي هو أصل كفرهم وشركهم بأن هذه الآلهة التي اعتقدوها واتخذوها آلهة وعبدوها ليتقوا (ليتقربوا) بها، ويعتضدوا بمكانها، لا يقتدر شيء منها على نصرهم، ولا يستطيع الذب عنهم، بل الأمر على عكس ما قدّروا وتصوروا، حيث هؤلاء من خدّام آلهتهم محضرون مُعَدّون لخدمتها يخدمونها ويذُبّون عنها ويغضبون لها كالجنود والأعوان.

وبهذا جرى حكم الله وقضاؤه باستيلاء الدواعي الباطلة على نفوس هؤلاء البطالين الجهلة، لمصلحة قدرية وحكمة قضائية تعلّقت بطاعتهم وخدمتهم لهذه الأصنام، وعبوديتهم لهذه التماثيل المنصوبة من الأجسام أو الأصنام أو غيرها، لِتَشارُك الجهالة وموت القلب، واتّفاق الجنسيّة والظلمة والخسة والدناءة.

وعن بعضهم: معناه: اتخذوهم لينصرونهم عند الله ويشفعوا لهم، والأمر خلاف ما توهموا، حيث هم يوم القيامة جند مُعَدّون لهم، مُحضرون لعذابهم، لأنهم يُجعلون وقوداً للنار.

وعن الجبائي: أن معنى قوله تعالى: { وَهُمْ لَهُمْ جُندٌ مٌّحْضَرُونَ }: إن هذه الآلهة معهم في النار مُحضرون، لأن كل حزب مع ما عبدته من الأوثان في النار، فلا الجند يدفعون عنها الإحراق، ولا هي تدفع عنهم العذاب. وهذا كما قال تعالى:إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ } [الأنبياء:98].

مكاشفة قرآنية

اعلم، هداك الله طريق معرفته وعبوديّته، إن كل من أحب شيئاً محبة نفسانية، أو اعتقد معبوداً حصر الإلهية فيه من المعتقدات المخالفة لما هو الحق في ذاته، فهو بالحقيقة مشرك عابد للصنم - سواء كان صنمه صورة موهومة أو شبحاً محسوساً - وقد مرّ أنه لا يعتقد معتقد من المحجوبين الذين جعلوا الآله منحصراً في صورة معتقدهم فقط، إلاّ بما جعل في نفسه وتصوره بوهمه، فإن الإله من حيث ذاته منّزه عن التعيّن والتقيد، وبحسب أسمائه وصفاته له ظهورات في صور مختلفة، فكل من أحب غير الله كحب الله، فلم يكن أهلاً لمحبة الله مخلصاً، بل طردته العزة والغيرة الإلهية إلى محبة الأنداد، واتخاذ ما هو دون الله، سواء كانت الأهل والأولاد والأحجار والأجساد.

وتحقيق ذلك: أن كل محبة لشيء فهو عبودية له، والمحبة نوعان: محبة هي من صفات النفس الإنسانية، - وهي من هوى النفس الأمّارة بالسوء -، ومحبة هي من صفات الحق - وهي محبة المعرفة والحكمة -، كما في قوله تعالى: (كنتُ كنزاً مخفياً، فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق لكي أعرف) فكما أن محبوب الحق كونه معروفاً، فمحبوب أهل الله كونهم عارفين له، كما أشار إليه قوله:

السابقالتالي
2 3 4