الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير صدر المتألهين/ صدر المتألهين الشيرازي (ت 1059 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا عَلَّمْنَاهُ ٱلشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ }

وهي أن جماعة من المشركين الجاهلين بأساليب كل طبقة من الكلام، وبأحوال كل طائفة من اللئام والكرام، العاطلين عن التمييز بين ملفقّات الهوى والشيطان، وبين ما أفاضه الله على أرواح أحبائه وأيدهم بنور منه، وكتب على ألواح قلوبهم تعلّم الحق من العلم والإيمان، وعلمّهم ما لم يكونوا يعلمون، لقوله:عَلَّمَ بِٱلْقَلَمِ عَلَّمَ ٱلإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ } [العلق:4 - 5] كانوا يقولون لرسول الله (صلى الله عليه وآله): " إنه شاعر " - وقيل: إن القائل " عقبة بن أبي معيط " - فقال سبحانه رداً عليهم، وتسفيهاً لعقولهم: { وَمَا عَلَّمْنَاهُ ٱلشِّعْرَ } أي: ليس ما فاض على قلبه بإذن الله من قبيل القياسات الشعرية، ولا ما أجرى على لسانه أشعاراً موزونة، وأين المعاني التي يتخيلها الشعراء ويتقوَّلُها الأدباء عن حقائق الإيمان؟ وأين عبارات أهل النظم وأساليبهم عن بدائع ألفاظ القرآن؟- وما ينبغي له - أي: لا يليق به الشعر، لأن مأخذ معارفه ومنبع مكاشفاته مفاتيح الغيب التي لا يعلمها إلاّ هو، ومخزن معلوماته خزائن معرفة الله التي لا تنزل إلاّ بقدر معلوم بواسطة بعث ملائكة الله المقدسين عن تصرفان الوهم، والهوى، ومأخذ المعاني الشعرية هو مخزونات الوهم والخيال مما تستنبطها النفس منها بوسيلة تلفيقات المتخيلة ودعابات الوهم، فأين أحدهما من الآخر؟

وفي قوله: { وَمَا يَنبَغِي لَهُ } اشعار بأن شأنه أجلّ ومرتبته أعلى من أن يتصور منه ذلك، لا أنه لا يتسهل له ذلك.

وقيل معناه: ما يتسهل له الشعر وما كان يتزين له بيت شعر، حتى أنه إذا تمثل ببيت شعر جرى على لسانه منكسراً، كما روي عن الحسن " أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يتمثل بهذا البيت: " كفى الإسلام والشيب للمرء ناهياً " فقال أبو بكر: " يا رسول الله إنما قال الشاعر:

* " كفى الشيب والإسلام للمرء ناهياً " *

أشهد أنك رسول الله، وما علّمك الشعر وما ينبغي لك ".

" وعن عائشة أنها قالت: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يتمثّل ببيت أخي بني قيس:

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلاً * ويأتيك بالأخبار من لم تزود

فجعل يقول: " ويأتيك من لم تزود بالأخبار " فيقول أبو بكر: " ليس هكذا يا رسول الله " فيقول: " إني لست بشاعر وما ينبغي لي ".

وقال صاحب الكشّاف: " ما ينبغي له وما يصح له ولا يتطلب لو طلبه، أي جعلناه بحيث لو أراد قرض الشعر لم يتأت له ولم يتسهل، كما جعلناه أميّاً لا يهتدي للخط ولا يحسنه، لتكون الحجة أثبت والشبهة أدحض ".

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7