الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير صدر المتألهين/ صدر المتألهين الشيرازي (ت 1059 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَوْ نَشَآءُ لَطَمَسْنَا عَلَىٰ أَعْيُنِهِمْ فَٱسْتَبَقُواْ ٱلصِّرَاطَ فَأَنَّىٰ يُبْصِرُونَ } * { وَلَوْ نَشَآءُ لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَىٰ مَكَـانَتِهِمْ فَمَا ٱسْتَطَاعُواْ مُضِيّاً وَلاَ يَرْجِعُونَ }

الطمس: محو الشيء حتى يذهب أثره، و " الطمس على العين ": تعفية شق العين حتى تذهب وتعود ممسوحة، ومثله " الطمس على الكتاب " وهو إذهابه حتى لا يقع عليه إدراك.

وقوله: " فاستبقوا الصراط " إما على طريقة الحذف والإيصال، أي فاستبقوا إلى الصراط، أو بتضمين معنى " ابتدروا " ، أو يجعل الصراط مسبوقاً لا مسبوقاً إليه، أو ينتصب على الظرف، أي: فلو قصدوا (تصدوا) أن يستبقوا إلى الصراط فأنّى يتيسر لهم، لكونهم عمياً لا يبصرون الطريق.

و " المَسْخُ ": قَلْبُ الصورة إلى خِلقة مشوَّهة. و " المكانة " و " المكان " واحد كالمقامة والمقام، وربما يُفَرَّق بينهما، فيكون الأول للمعنوي، والثاني للوضعي.

وقرئ: مكاناتهم، وقريء: مضياً - بالحركات الثلاث -.

قد أخبر سبحانه، عن قدرته على كشف سرائر هؤلاء الكفار، وصورتهم الباطنية الغائبة عن حواسّ أهل الدنيا، المناسبة لصفاتهم ونياتهم، وهي الصور التي سيُحْشَرون عليها يوم القيامة، فقال: ولو نشاء لطمسنا على أعينهم.

وعن ابن عباس، أي: لأعميناهم عن الهدى. وعن الحسن والجبائي وقتادة: لتركناهم عُمْياً يترددون.

فاستبقوا الصراط - أي: فطلبوا طريق الحق وقد عَمُوا عنه - فأنّى يُبْصِرون. وعن ابن عباس، وقيل معناه: فطلبوا النجاة والسبق إليها، لاَ بَصَرَ لهم فكيف يبصرون وقد أعميناهم. وقيل: طلبوا الطريق إلى منازلهم فلم يهتدوا إليها.

ولو نشاء لمسخناهم على مكانتهم - التي هم فيها قعود، أي: لعذبناهم بنوع آخر من العذاب، فأقعدناهم في منازلهم ممسوخين قردة وخنازير، وقيل معناه: ولو نشاء لمسخناهم حجارة في منازلهم ليس فيهم أرواحهم.

فما استطاعوا مضيّاً ولا يرجون - أي: فلم يقدروا على ذهاب ولا مجيء. وقيل معناه: فما استطاعوا مضياً من العذاب ولا رجوعاً إلى الخلقة الأولى بعد المسخ.

مكاشفة

" الطمس على العين ": إشارة إلى إزالة الإستعداد عنهم لإدراك الحقائق بالبصيرة الباطينة، وهي القوة العاقلة النظرية، كما أن " المسخ على مكانتهم " - وهو إجمادهم في مرتبتهم التي كانوا عليها من النقص -، إشارة إلى قلب فطرتهم الإنسانية بحسب القوة العملية المستعدة لسلوك سبيل الحق بفعل الخيرات وإقامة الصلاة والزكاة إلى فطرة الدواب والأنعام، التي ليست لها قوة الإرتقاء إلى ملكوت السماء.

والحاصل، أن أهل الكفر والاحتجاب وأصحاب الضلال والعذاب، وان كانوا في أصل الفطرة مستعدين لإدراك طريق الحق القويم، وقوة المشي على الصراط المستقيم، إلاّ أنهم لانكارهم وجحودهم آيات الله ومعالم دينه وحكمته، طمست عقولهم النظرية وعيونهم الفطرية، فصاروا من جملة الشياطين المردودين إلى أسفل السافلين، ومسخوا بحسب قوتهم العملية فصاروا قردة وخنازير، فلو راموا أن يستبقوا إلى الطريقة العاملة التي لكل أحد أن يسلكها إلى مقصده الذي يناسبه بحسب أصل الفطرة - وهي الشريعة العامة التي بها نجاة كل أحد - لم يقدروا، وتعايا عليهم أن يبصروا ويعلموا جهة السلوك فيها من علوم المعاملات والمسائل الضروريّات - فضلاً عن غيره من علوم المكاشفات -.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7