الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير صدر المتألهين/ صدر المتألهين الشيرازي (ت 1059 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يٰبَنِيۤ ءَادَمَ أَن لاَّ تَعْبُدُواْ ٱلشَّيطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ } * { وَأَنِ ٱعْبُدُونِي هَـٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ }

و " العهد " في اللغة بمعنى " الوصية " ، و " عهد إليه ": إذا وصّاه، وقرئ " اِعهَد " - بكسر الهمزة وفتح الهاء - وقد جاء عند أهل اللغة والاشتقاق كسر حرف المضارعة غير الياء في باب " فعل " كله، و " أَعهِد " بفتح الهمزة وكسر الهاء، ونقل عن الزجّاج تجويز كون هذا الفعل من باب " نعم ينعم " و " ضرب يضرب " و " احهد " بإبدال العين حاء، و " أحد " بإبدال الهاء أيضاً حاء، ومنه قولهم: دحّا محاً.

وعهد الله إلى بني آدم، ما فطرهم الله على فطرة الاستعداد لإيداع علم التوحيد في ذواتهم المشار إليه بقوله:أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ } [الأعراف:172]. ولاقتناء الخيرات واكتساب السعادات الأخروية.

وميثاق ذلك العهد، ما ركّز في نفوسهم من أوائل المعقولات وأدلة العقليات وشواهد السمعيات للتوحيد، وإلزام ذلك العلم إياهم، وجعله من اللوازم الذاتية لهم، بحيث إذا تجردوا عن الصفات النفسانية والغواشي الجسمانية، تبيّن لهم ذلك وانكشف عليهم أظهر شيء وأبينه، وهو إشهادهم على أنفسهم، لكون ذلك العلم فطرياً لهم حينئذ، وإجابتهم لذلك بقولهم: " بلى " ، قبولهم الذاتي.

ونقض ذلك العهد انهماكهم في اللذّات البدنية والغواشي الطبيعية، وتعبّدهم للهوى والشيطان، بحيث احتجبوا عن علم التوحيد ومعارف الإيمان.

وعداوة الشيطان لبني آدم، هي اضلالهم عن الصراط المستقيم، المؤدي بسالكه إلى الوصول بالحق وجنة النعيم، ودعوته إياهم إلى ما فيه هلاكهم.

وإنما قال: { إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ } لأنه مجبول على عداوتهم، إذ شأنه الوسوسة في الصدور، وجِبِلّته الأمر بالفحشاء والمنكر والبغي، والوعد بالشر والتوعّد على الخير.

تذكرة لوحيه فيها تبصرة عرشية

إن أردت - أيها الراغب إلى فهم أسرار القرآن ودرك أغواره - أن تسمع كلاماً في كيفية عبادة أفراد النفوس الآدمية للشيطان وطاعتهم لجنوده، فاستمع لما يتلى عليك إنشاء الله من تحقيق الكلام وتبيين المرام بأصول عقلية هي دعائم لكشف هذا المقام - والله ولي التوفيق والإلهام -:

الأصل الأول

إن لله تعالى صفتين متقابلتين من بين الصفات المتقابلة، اسمهما " الهادي " و " المُضِلّ " ، وبإزائهما في المخلوقات معاني وصفات متضادة، وأفراد وأنواع متفاسدة متعاندة: كالوجوب والإمكان، والخير والشر، والنور والظلمة، والعلم والجهل، والسعادة والشقاوة، والتوفيق والخذلان، والمَلَك والشيطان، والرحمة والغضب، والجنة والنيران، والدنيا والآخرة - إلى غير ذلك من الأمور المتقابلة المنسوبة في سلسلة المعلولية والحاجة إلى الله -.

أما أحد الطرفين - وهو الأشرف، فأولاً وبالذات وبالأصالة، وأما الطرف الآخر، فثانياً وبالعَرَض وعلى سبيل التبعيّة والاستجرار، اللازمة لقصور القوابل الإمكانية عن قبول الفيض والرحمة من الحق الصرف، والنور المحض على التمام من غير نقص وآفة، لقوله:

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد