الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير صدر المتألهين/ صدر المتألهين الشيرازي (ت 1059 هـ) مصنف و مدقق


{ إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ }

{ إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً }:

ثم أخبر سبحانه عن سرعة بعث الخلائق إلى المحشر، وسعيهم إلى ربهم يوم العرض الأكبر، بأن تلك المدة لم تكن إلاّ صيحة واحدة بالقياس إلى قدرة الله تعالى، وعالم قدرته وجبروته وسكان ملكوته من أهل قربته وولايته، وان كانت صيحات عظيمة كثيرة حسب كثرة الخلائق، متمادية الأزمنة والدهور بالقياس إلى من يقع عليهم من أهل القبور وسكنة عالم الهلاك والدثور، كما أن الصاخّة الصغرى زجرة واحدة لموت شخص واحد وقيامته، وهي زجرات متعددة متمادية بالقياس إلى كثرة أعضائه وقواه، فإن جميع أحوال القيامة الصغرى وأهوالها عند موت الإنسان واحد، وبعث روحه ونشر صحيفته وزلزلة أرض بدنه، واندكاك جبال عظامه، وانفجار عرق جبينه، وتكور شمس قلبه، وانكدار نجوم حواسّه، وتعطّل عشار قواه كلها دلائل وشواهد على أحوال القيامة الكبرى التي لجميع الخلائق، لقوله (صلى الله عليه وآله): " من مات فقد قامت قيامته " ، وذلك لكون الإنسان عالماً صغيراً فيه أنموذج من جميع ما في العالم الكبير.

ولست أطول في موازنة جميع الأحوال، ولكني أقول كما قال بعض محققي الإسلاميين وحكمائهم وموحّديهم: إن بمجرد الموت تقوم عليك هذه القيامة، ولا يفوتك من القيامة الكبرى شيء مما يخصّك، بل ما يخصّ غيرك، فإن بقاء الكواكب في حق غيرك ماذا ينفعك وقد انتشرت حواسك التي بها تنتفع بالكواكب، والأعمى يستوي عنده الليل والنهار، وانكشاف الشمس وانجلائها، لأنها قد كسفت في حقه دفعة واحدة، وهو حصته منها، فالانجلاء بعد ذلك حصة غيره، وكذلك من انشق رأسه فقد انشق سماؤه، إذ السماء عبارة عما يلي جهة الرأس، فمن لا رأس له لا سماء له، فمن أين ينفعه بقاء السماء في حق غيره؟.

فهذه هي الصاخة الصغرى، والخوخ بعد أخضر والهول بعد مدخّر، وذلك إذا جاءت الطامة الكبرى، وارتفع الخصوص، وبطلت السموات والأرض ونسفت الجبال وتمت الأهوال.

فهذه هي الصغرى، وإن طول في وصفها فانا لم نذكر عشر عشير أوصافها، فهي بالنسبة إلى القيامة الكبرى كالولادة الصغرى بالنسبة إلى الولادة الكبرى، فإن للإنسان ولادتين:

احداهما: الخروج من الصلب والترائب إلى مستودع الرحم في قرار مكين إلى قدر معلوم، وله في سلوكه إلى الكمال منازل وأطوار، من نطفة وعلقة ومضغة وغيرها، إلى أن يخرج من مضيق الرحم إلى فضاء العالم، فنسبة عموم القيامة الكبرى إلى خصوص القيامة الصغرى كنسبة سعة فضاء العالم إلى سعة فضاء الرحم، ونسبة سعة العالم الذي تقدم عليه بالموت، إلى سعة فضاء الدنيا، كنسبة سعة فضاء الدنيا أيضاً إلى الرحم، بل أوسع وأعظم بكثير.

فقس الآخرة بالأولى:مَّا خَلْقُكُمْ وَلاَ بَعْثُكُمْ إِلاَّ كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ }

السابقالتالي
2 3