الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير صدر المتألهين/ صدر المتألهين الشيرازي (ت 1059 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالُواْ يٰوَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ ٱلرَّحْمـٰنُ وَصَدَقَ ٱلْمُرْسَلُونَ }

قرئ " يا ويلتنا " ، وفي مصحف ابن مسعود " من أهبّنا " من " هبّ من نومه " إذا انتبه وأهبّه غيره، وقرئ أيضاً " من هبّنا " بمعنى " أهبنا " وقرئ " من بعثنا " و " من هبنا " على " من الجارة " وصيغة المجرور بها، لا على " من الاستفهامية " وصيغة الماضي الموصولة بها.

و " هذا " مبتدأ وخبره ما بعده، سواء كان الخبر مفرداً - إن كانت " ما " مصدرية - أو جملة من صلة وموصول - إن كانت موصولة - ويكون المجموع جملة مستأنفة، ويكون " من بعثنا من مرقدنا " كلاماً تاماً يوقف عليه.

ويحتمل أن يكون " هذا " صفة للمرقد، أي: " مرقدنا الذي كنّا رقوداً فيه " فيكون الوقف على " مرقدنا هذا " ويكون " ما وعد " مبتدأ خبره محذوف تقديره أي: " ما وعد الرحمن وصدق المرسلون حق عليكم " أو يكون خبر مبتدأ محذوف، أي: " هذا وعد الرحمٰن، أي: فلما رأوا أهوال القيامة وشدائدها لكونهم صاروا بسبب خروجهم عن قبورهم وقيامهم عن منامهم مكشوفي الغطاء حديدي البصر، قالوا: " يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا وحشرنا من منامنا الذي كنّا فيه نياماً؟ " ثم قيل لهم: " هذا بعينه ما وعد الرحمن وصدق المرسلون " أي: هذا وعدُ الرحمٰن وصدقُ المرسلين - على تسمية الموعود والمصدوق فيه بالوعد والصدق - إن جعلت " ما " مصدرية - وأما إن جعلت موصولة، فيكون معنى: " الذي صدق المرسلون " بمعنى: والذي صدق فيه المرسلون من قولهم: " صدقوهم في الحديث والقتال " ومنه: " صدقني سن بكره ".

وإنما يطابق هذا الجواب لسؤالهم عن الباعث لهم عن مرقدهم، لكونه بمعنى: بعثكم الرحمٰن الذي وعدكم البعث وأنبأكم به رسله، إلاّ أنه جيء به على نهج التخويف والتهويل لقلوبهم، والنعي إليهم في أحوالهم، وذكر منشأ فزعهم وأهوالهم من سبق كفرهم بالله، وتكذيبهم للرسل، والإخبار لهم بوقوع ما أنذروا به على لسان الأنبياء.

ولا يبعد أن يكون المراد من طي الجواب، أن الحال أشد عليهم من أن يسع لهم السؤال ويستأهلون للجواب عن سبب البعث والنشور، كأنه قيل لهم: ليس بالبعث الذي عرفتموه - من بعث النائم في الدنيا من مرقده - حتى يسمع لكم السؤال عمن يبعثه، إن هذا هو البعث الأكبر، والقيامة الكبرى ذات الشدائد والأهوال والأحزان والأفزاع، وهو الذي وعده الله في مواضع كثيرة من كتبه المنزلة على ألْسِنَةِ رسله الصادقين، ومعانيها الواردة على قلوب أوليائه الصالحين.

السابقالتالي
2 3