الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير صدر المتألهين/ صدر المتألهين الشيرازي (ت 1059 هـ) مصنف و مدقق


{ وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ ٱلأَجْدَاثِ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ }

هذه هي النفخة الثانية التي يحيي بها أموات القبور للبعث والنشور، وإن للنفخ صورة ونتيجة هي روحه وسرّه:

أما صورته: فإخراج الهواء من جوف النافخ إلى جوف المنفوخ فيه حتى يشتعل الحطب أو الفحم، وبالجملة، الجسم القابل للصورة الناريّة، فالنفخ سبب الإشتعال، وصورة النفخ مستحيل في حق الله، لأنه قيّوم صمد لا جوف له، والمسبب والنتيجة غير محال في حقه، وقد يستعار بالسبب والمبدء عن المسّبب والفعل المستعار منه، فيعبّر عن نتيجة الغضب بالغضب، وعن نتيجة الإنتقام بالانتقام، كما في قوله تعالى:وَغَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ } [الفتح:6] وقوله:فَٱنْتَقَمْنَا مِنْهُمْ } [الأعراف:136] فإن حقيقة الغضب مستحيلة في حقه تعالى، لأنه عبارة عن نَوْعِ تغيّر ونقصان في الغضبان، يتأذى به ويتشفى بالانتقام، ونتيجته اهلاك المغضوب عليه أو إيلامه، يعبّر به عن النتيجة، فكذا يعبّر عن نتيجة النفخ بالنفخ - وإن لم يكن على صورة النفخ - فيكون مجازاً مُرْسلاً -.

هكذا قيل، والأرجح عندي أن النفخ ها هنا عبارة عن مجرد إنشاء الأرواح تشبيهاً بإنشاء النار، كتشبيه آلة النفخ بالصُّور على وزان تشبيه الأرواح الكامنة في مكامن استعداداتها من الأبدان وغيرها بالنيران المختفية في مكامن موادها الحَطَبيّة والدخانية، فيكون في الكلام استعارة مصرّحة أو مكنّية أو تمثيلية، كل منها باعتبار.

هذا إذا كانت موضوعات هذه الألفاظ مما اشترط فيها كونها ذوات أشكال وأوضاع وهيئات جسمانيّة، وإلاّ فمن الممكن أن يستعمل - ولو بحسب العرف الخاص ولسان الشريعة - على معان هي غايات المعاني اللغوية وملاكها وأسرارها وبواطنها، فتكون معقولات شرعية مستعملة في معانيها الحقيقية عند أهل الحق.

فالصور - بسكون الواو - هو في اللغة بمعنى " القرن " ، فاستعير أو نقل كما علمتَ لما يقع به النفخ مطلقاً، سواء كان من قرن أو جوهر آخر، سواء كان محسوساً أم غير محسوس، بل هو جوهر من جواهر عالم الملكوت الأعلى اسمه " روح القدس " ، به يحيي الله أموات الأشباح الإنسانية بالأرواح الفائضة من هذا الروح الأعظم، وهو الذي اشتعل به نور النفس في فتيلة النطفة عند التسوية أولاً، كما أشار إليه تعالى بقوله:فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي } [الحجر:29].

فقد علم أن النافخ ها هنا إنما هو الله بذاته، أو بواسطة ملك مقرّب هو الروح الإسرافيلي المقدس - المتوسط في فيض الحياة العقليّة والنور النطقي بين الله وبين الأرواح الجزئية الإنسانية التي هي أنوار ملكوتية متعلقة بالأبدان - كتوسط الشمس في فيض النور الحسي والحرارة الغريزيّة بين الله وبين الأكوان العنصرية وطبائعها المستنيرة بالأنوار الحسيّة والحياة الدنيويّة.

ومنهم من جعل " الصور " جمع " صورة " ، وأكد ذلك بتحرك " الواو " في قراءة بعض القرّاء، والمراد منها الصورة النوعية تتهيأ بها الأجسام الإنسانية لقبول النفس، فيكون المراد منها ما يقبل النفخ الإلهي، لا ما يقع به النفخ من الروح الإسرافيلي المشار إليه في قوله: { ونُفِخْتُ فيه من روحي } [الحجر:29].

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8