الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير صدر المتألهين/ صدر المتألهين الشيرازي (ت 1059 هـ) مصنف و مدقق


{ مَا يَنظُرُونَ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ }

قرء ابن كثير وورش ومحمد بن حبيب عن الأعشى، وروح وزيد عن يعقوب " يخصمّون " بادغام التاء في الصاد مع فتح الخاء، وقرء أبو عمرو بفتح الخاء أيضاً إلاّ أنه يشمه الفتح ولا يشبعه، وقرء أهل المدينة غير ورش " يخْصمون " ساكنة الخاء مشددة الصاد، وقرء حمزة " يخصمون " ساكنة الخاء من خصمه، وقريء " يخصمون " مكسورة الصاد " وَيَخِصِمون " اتباع الياء الخاء في الكسر.

كَشفٌ إلهامي

قد أشرنا في الآية السابقة أن سرّ القيامة من الأسرار العظيمة التي لا يمكن كشفها للمحبوسين في حبس هذا الزمان والمكان، والمسجونين بسجن هذا العالم مع هذه الأقران، ولم يجز للأنبياء (عليهم السلام) كشفها للناس ما داموا في قبور هذه الحواسيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلسَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا * فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَاهَا * إِلَىٰ رَبِّكَ مُنتَهَاهَآ * إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرُ مَن يَخْشَاهَا } [النازعات:42 - 45]، يعني لا رخصة لهم في كشف حقيقتها، بل لهم أن ينذروا بأهوالها وشدائدها وبعض حالاتها وأشراطها ومقدماتها.

ولهذا ذكر الله تعالى ها هنا شيئاً من أشراطها ومقدماتها، ونبّه على أنهم - أي المحجوبين بقيود هذه النشأة الفانية - ما يمكنهم أن ينظروا من حالاتها إلاّ صيحة واحدة - أي نفخة واحدة - وهي النفخة الأولى التي تأتيهم بغتة وتفنيهم كلهم وهم يخصّمون، يشتغلون بخصوماتهم في شهواتهم ومجادلاتهم في معاملاتهم ومتاجرهم، يتبايعون في الأسواق ويتنافسون بالأموال والأقوال، ويتفاخرون بالأنساب والألقاب، وسائر ما يتشاجرون فيه ويتخاصمون به.

وبالجملة، تبغتهم وهم في أمنهم وغفلتهم كما ورد في الحديث: " تقوم الساعة والرجلان قد نشرا ثوبهما يتبايعانه، فما يطويانه حتى تقوم، والرجل يرفع أكلته إلى فيه، فما تصل إلى فيه حتى تقوم، والرجل يليط حوضه ليسقي ماشيته فما يسقيها حتى تقوم ".

وقيل: وهم يختصمون هل ينزل بهم العذاب أم لا؟.

ومعنى يَخِصِّمون: يخصم بعضهم بعضاً.

وقيل: تأخذهم وهم عند أنفسهم يَخِصِّمُون في الحجة في أنهم لا يبعثون.

رَمْزٌ عَرْشي

" الصَّيحة ": ضَربٌ من النفخة، وهي النفخة التي يصحبها شدة وهلاك وعذاب، واللفظ كما مرّ مستعار لتأثير الفاعل الحق في إنشاء الصور، وإفادة الأرواح، إما في هذا العالم بوساطة ملك روحاني أو روح بشري، أو في عالم الآخرة تشبيهاً له بالنفخ في مادة النار - كالفحم وما أشبهه - الموجب تارة لاشتعال النار الكامنة، أو حصولها في الفحم بسبب مجاورته لنار أخرى، وتارة لخمودها.

وذلك أن النفوس الحيوانية الإنسانية بمنزلة نيران أو أنوار ملكوتية حاصلة في مواد الأبدان، ولطائف أعضائه الدخانية والبخارية، المجاورة بسبب صفائها ولطافتها لنار عالم الملكوت، حادثة فيها عند حصول الاستعداد التام والتسوية بالنفخ الإلهي، كما في قوله تعالى:

السابقالتالي
2 3