الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير صدر المتألهين/ صدر المتألهين الشيرازي (ت 1059 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَذَا ٱلْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ }

كلمة " متى " ها هنا للاستعلام عن وقت قيام الساعة، وهي في عرف أهل الحكمة، سؤال عن نسبة الشيء إلى زمانه المعين أو حد منه، والزمان كالمكان من موجودات هذا العالم، لأنه كما ثبت في مقامه، مقدار الحركة السريعة اليومية يتحدد به سائر الحركات المستديرة والمستقيمة، وما يطابقها من الأزمنة والزمانيات، كما أن بموضوعه يتحدد سائر الأبعاد والأمكنة والمكانيات، والقيامة خارجة عن هذا العالم لأنها واقعة في مكمن حجب السماوات، فزمانها ومكانها نوعان آخران لا يمكن السؤال عنهما بـ " متى " و " أين " ، كما لا يمكن السؤال بـ " ما هو " عما لا ماهية له، كالواحد الحقيقي والمقدس القيّومي، بل أمور القيامة كلها أسرار على العلم الإنساني بحسب طور هذه النشأة الدنيوية.

فلا يتصور أن يحيط بها أحد ما دام في الدنيا، ولم يتخلص عن قيد الوهم وأسر الطبيعة وزمانة الهوى، ولكل موطن ونشأة نوع خاص من الشعور والإدراك، كما أن لكل محسوس من المحسوسات حاسّة مخصوصة، فعلم المبصرات عند البصر، وعلم المسموعات عند السمع، فكذا علم الساعة مردود إلى من كان عنده تعالى وحشر في حضرته، وليس للكفار قوة إدراك الساعة، كما ليس للأكمه قوة إدراك المبصرات.

فقولهم: " متى هذا الوعد "؟ سؤال عما يستحيل الجواب عنه على موجبه، كما أن سؤال فرعون: " وما رب العالمين " ، سؤال عما يستحيل الجواب عنه على موجبه، فإن أمر الساعة إذا كان كلمح البصر أو هو أقرب، وكان " متى " سؤالاً عن الزمان استحال جواب السائل عنه، وهو كقول الأكمه إذا وصف له المبصرات المتلونة، فقال: " كيف تشم هذه المبصرات "؟ أو " كيف تلمس هذه المتلونات "؟ والجواب الحق معه: أن علم المبصرات يوجد عند البصر، لا يمكن طلبها بالذوق واللمس.

فالجواب الحق مع الكفار إذا قالوا: { مَتَىٰ هَذَا ٱلْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ }؟ أن يقال لهم: " العلم بذلك عند الله " ، كما وقع في القرآن من قوله تعالى:عِندَهُ عِلْمُ ٱلسَّاعَةِ } [لقمان:34] فمن يرجع إلى الله عزّ وجلّ، وحشر إليه وكان عنده، فلا بد وأن يعرف حينئذ حقيقة الساعة بالضرورة، لأنه عند الله، وعنده علم الساعة، فإذن بالضرورة، لا تقوم الساعة وعلى وجه الأرض من يقول " الله " ، كما روي في الحديث عنه (صلى الله عليه وآله وسلم).

فثبت وتحقّق تحقيقاً لا شك فيه، أن علم الساعة مردود إلى الله تعالى كما قال سبحانه:إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ ٱلسَّاعَةِ } [فصّلت:47]. وسؤال الكفرة والجهّال عن ذلك نوع من الضلال والإضلال، وليس لك أيها المؤمن بالله واليوم الآخر أن تعلم من أسرار القيامة وأغوارها، ما دمت في هذه النشأة البشرية، إلاّ أن إيمانك بالغيب وتصديقك بما جاء في الشريعة الحقة، تصديق الأكمه بوجود الألوان من جهة الخبر والإيمان بالغيب، لا من جهة الإدراك واليقين.

السابقالتالي
2 3