الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير صدر المتألهين/ صدر المتألهين الشيرازي (ت 1059 هـ) مصنف و مدقق


{ وَآيَةٌ لَّهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي ٱلْفُلْكِ ٱلْمَشْحُونِ }

" الذُّرِيَّة " ، كما أطلق على الأولاد أُطلق على الآباء لأنها مأخوذة من " ذَرَءَ الله " أي: خلقها، فَيُسَمَّى الأولاد ذريةً لأنهم خُلِقوا من الآباء، وسُمّي الآباء ذرية، لأن الأولاد خُلِقُوا منهم، والمراد ها هنا الآباء إن كانت " الفلك " يعني به سفينة نوح (عليه السلام) لا المطلق، وإنما سميت بها، لأنها تدور في الماء كما تدور " الفَلَكَةُ " في المغزل، ويدور الفَلَكُ بالنجوم، أي من جملة الآيات العظيمة للناس، الدالة على قدرة الله وحكمته وعنايته لهم، أنه حمل آبائهم وأجدادهم الذين هؤلاء من نسلهم في الفلك المشحون - يعني سفينة نوح -، المملوءة من الناس والدواب والوحش والطير، وسائر ما يحتاج إليه مَنْ فيها، فَسَلِموا من الغرق، فانتشر منهم بَشَر كثير.

قيل: أن الحواريين قالوا لعيسى (عليه السلام): " لو بعثتَ لنا رجلاً شهد السفينة يحدثنا عنها " فانطلق بهم حتى انتهى إلى كثيب من تراب، فأخذ كفّاً من ذلك التراب فقال: " أتدرون من هذا؟ " قالوا: " الله ورسوله أعلم " فقال: " هذا كعب بن حام ".

فقال: فَضَرَبَ الكثيبَ بعصاه فقال: " قُمْ بإذن الله " ، فإذا هو قائم ينفض التراب عن رأسه وقد شاب، فقال له عيسى (عليه السلام): " أَهَلَكْتَ؟ " قال: " لا مُتُّ وأنا شاب، ولكني ظننت أنها الساعة فَمِن ثمَّ شِبْتُ ".

قال: " حدِّثْنا عن سفينة نوح " قال: " كان طولها ألفَ ذراع، وعرضها ستمائة ذراع، وكانت ثلاث طبقات، طبقة للدواب والوحش، وطبقة للإنس، وطبقة للطيَّر " ثم قال: " عد بإذن الله كما كنت " فعاد تراباً.

وقيل: " الذُّرِّية " بمعنى النسل كما هو الأصل، ومعنى حَمْلِ الله ذرّياتهم فيها، أنه حمل فيها آباءهم الأقدمين، وهم في أصلابهم هم وذريّاتهم، وإنما ذكر ذرياتهم دونهم، لأنه أبلغ في الامتنان عليهم، وأدخل في التعجب من قدرته في حمل أعقابهم إلى يوم القيامة في سفينة نوح.

وقيل: اسم الذرية تقع على النساء لأنهنّ مزارعها، وفي الحديث: " أنه نهى عن قتل الذراري " يعني النساء، وقيل: الذرية هم النساء والصبيان.

" والفُلْك " هي السفن الجارية في البحار، وخَصَّ الذرية بالحَمْل في الفُلْك لضعفهم، وعدم قوتهم كالرجال على المشي في السفر، فسخّر الله لهم السفن للحمل في البحر، والإبل للمركوب في البر، فعلى هذا يكون معنى قوله:

{ وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِّن مِّثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ } [يس:42].