الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير صدر المتألهين/ صدر المتألهين الشيرازي (ت 1059 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّىٰ عَادَ كَٱلعُرجُونِ ٱلْقَدِيمِ }

" والقمر " قريء مرفوعاً، إما على الإبتداء، أو عطفاً على الليل، أي: ومن آياته القمر، وقريء منصوباً بفعل يفسّره " قدّرناه " ، ولا بد حينئذ من ارتكاب حذف مضاف، أي: قدرنا مسيره منازل، إذ لا معنى لتقدير نفس القمر منازل.

والمقر جُرْم كروي غير مشف، مركوز في سخن فلكه، يستضيء أكثر من جرمه من نور الشمس، لكثافته وصقالة سطحه، الواقع دائماً في محاذاة الشمس من غير حجاب، إلاّ عند مقاطرته الحقيقية أو ما يقرب منها مع الشمس، فتحجبه الأرض عند ذلك عن مواجهة الشمس، ووقوع ضوئها عليه، فيُرىَ مظلماً منخسفاً كله أو بعضه.

وإنما هدى الناس الحكم بأستنارته من الشمس، مشاهدة التشكلات النوريّة، والاختلافات الهلالية والبدرية، مع مشاهدة الخسوف له عند المقاطرة، فيعلم بِضَرْب من الحَدْس، أن نوره مستفاد من الشمس.

" والمنازل " ثمانية وعشرون منزلاً، وهي التي يقطعها القمر في كل شهر بحركته الخاصة لفلكه، فَيُرَى كلَّ ليلة نازلاً بمحاذاة واحد منها، وهذه المنازل، هي مواقع النجوم التي نَسَبَتْ إليها العرب " الأنواء المستمطرة " ، لأن " النَّوء " سقوط نجم من المنازل في المغرب مع الفجر، وطلوع رقيبه من المشرق، يقابله من ساعته في كل ليلة إلى ثلاثة عشر يوماً، وكل نجم منها هكذا إلى انقضاء السنة، ما خلا الجبهة فإن لها أربعة عشر يوماً.

وكانت العرب تضيف الأمطار والرياح والحر والبرد إلى الساقط منها، فيقول: " امطرنا بنَوْء كذا " والجمع " أنواء " وهي: الشرطان، البطين، الثريا، الدبران، الهقعة، الهنعة، الذراع، النثرة، الطرف، الجبهة، الزبرة، الصرفة، العوّا، السماك، الغفر، الزباني، الأكليل، القلب، الشولة، النعائم، البلدة، سعد الذابح، سعد بلع، سعد السعود، سعد الأخبية، فرغ الدلو المقدم، وفرغ الدلو المؤخر، الرشا.

وهذه الأسامي مشهورة فيما بين العرب، متداولة في محاوراتهم وعشقياتهم، مذكورة في قصصهم وأشعارهم، وبها يتعرفون أوقات الليل وأقسام الفصول، فإن سنينهم لمّا كانت مختلفة الأوائل، لكونها باعبتار الأهلّة، حيث وقع أولها تارة في وسط الصيف - مثلاً - وتارة في وسط الشتاء، احتاجوا إلى ضبط السنة الشمسية ليشتغلوا في استقبال كل فصل بما يهمهم في ذلك الفصل، فوجدوا القمر يعود إلى وضعه الأول من الشمس، في قريبٍ من ثلاثين يوماً، فيسير في المنازل الثمانية والعشرين من ليلة المستهلّ إلى الثامنة والعشرين، ثم يختفي في أواخر الشهر، ليلتين أو ما يقاربها إذا نقص الشهر، فأسقطوا يومين من زمان الشهر، بقي ثمانية وعشرون، وهو زمان ما بين أول ظهوره بالعشيّات في أوائل الشهر، وآخر رؤيته الغَدَوات في أواخره، كما دلّ عليه بقوله: { حَتَّىٰ عَادَ كَٱلعُرجُونِ ٱلْقَدِيمِ } ، فقسموا أدوار الفلك على ذلك، فكان كل قسم من الأقسام الثمانية والعشرين، اثنتي عشرة درجة وإحدى وخمسين دقيقةً، حاصلةً من قسمة درجات تمام الدور - أعني ثلاثمائة وستين درجة -، على عدد الأقسام المذكورة فسمّوا كل قسم منزلاً، وجعلوا لها علامات من الكواكب التي تقرب منطقة البروج، لانطباق مدار فلكه الكلي عليها، ولهذا أصاب كلَّ برج من البروج الإثني عشر منزلان وثلثُ منزل.

السابقالتالي
2 3