الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير صدر المتألهين/ صدر المتألهين الشيرازي (ت 1059 هـ) مصنف و مدقق


{ سُبْحَانَ ٱلَّذِي خَلَق ٱلأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ ٱلأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لاَ يَعْلَمُونَ }

وقد نزَّه الله سبحانه ذاته وعظمها أولاً، عن نسبة النقص في الذات، والشَّين في الصفات، والفتور والتقصير في الأفعال، وأوضح دليله ثانياً، بأنه هو الذي يستحق منتهى الحمد وغاية الشكر، فيكون الكلام كدعوى الشيء بِبيِّنَتهِ، أي تنزيهاً وتعظيماً وبراءة عن الآفة والنقص والسوء، للذي خلق الأنواع والأشباه والأشكال والأمثال من كل نوع، أي كل طبيعة متكثِّرةِ الأفراد، كأنواع الكائنات من أصول ثلاثة، هي الموضوعات والقوابل.

لأن الأنواع المتكثِّرة الأفراد، الحاصلة بالقوة والإستعداد، الناشئة في سلسلة العائدات إلى الباري تعالى، المتعاكسة في الوجود لسلسلة الباديات منه: لا بد لوجودها من مادة تقبل تكثُّر نوعيتها وتعدُّد أفرادها.

وذلك لأن التكثُّر في مَالَهُ حدٌّ نوعي، وتأحّد طبيعي، يحتمل بحسب الفرض، أن يكون اما بالماهية، أو لازمها، أو عارضها، والقسمان الأولانِ يوجبان انحصار النوع في شيء واحد، وهو خلاف المفروض، فتعيَّن القسم الثالث، فلا بد من مادة قابلة، ينفعل عن الفاعل البريء عن التغيّر أحوالاً وأغراضاً: حادثة تحتاج في حدوثها وتجددها إلى قوة إنفعالية، وحركات استعدادية سُفْلية، تابعة لحركاتٍ ومحصّلات فلكية لأغراض عُلْوية، تلحق تلك الحركات إلى فاعلٍ غير متناهي القدرة في التأثير، وقابلٍ غير متناهي القوة في الإنفعال، فتنفتح أبواب نزول الرحمة والخيرات، وأسباب ورود النعمة والبركات، لقوله تعالى:وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا } [إبراهيم:34] وقوله:قُل لَّوْ كَانَ ٱلْبَحْرُ مِدَاداً لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ ٱلْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي } [الكهف:109] الآية.

وهي على كثرة أفرادها وأنواعها منحصرة في ثلاثة أجناس:

أولها: ما لا شعور لها، ولا نفس حساسة فيها في حد حقيقتها، وهي مما تنبت من الأرض، والمراد منها ما يندرج فيه المعادن والنباتات، إذ جميعها " مما يخرج من الأرض " وينشأ منها.

وثانيها: ما له نفس شاعرة مريدة للحركات إقداماً وإحجاماً، جلباً ودفعاً، طلباً وهرباً، شهوة وغضباً، ولا يخلو منه حيوان، إذ أدنى مراتب الحيوانية فيما له قوة اللمس، وهذه القوة موجودة لكل حيوان حتى الدود والخراطين التي تكون في الطين، فإنها إذا غرز فيها إبرة انقبضت للحرب، لا كالنبات فإنه يقطع فلا ينقبض لعدم احساسه بالقطع، ومادة تكوّن الحيوان وأصل خلقته إنما هي مواد فضلية منوية، موجودة في أبدان الحيوانات، حاصلة من فضلة الهضم الرابع، باستخدام النفوس الحيوانيّة للقوى النفسانيّة والطبيعيّة، كالجاذبة والماسكة والهاضمة والدافعة المحركة للغذاء في عروق البدن وأعماقه المخرجة للفضلة إلى أطراف البدن ومخارجها، مستقرة في قرار مكين بوسيلة حركات وانفعالات جماعية، واقعة من نفوس الآباء والأمهات على أغراض حيوانية، طلباً للشهوة واللذة التي هي الغاية القصوى لأفاعيلها، فأشار إلى ذلك بقوله: " ومن أنفسهم ".

وثالثها: ما له إدراكات كلية، وهي عقول مجردة وموجودات مستقلة في الوجود البقائي والكمال الأخروي، حاصلة من الأفكار والتأملات القدسية الواردة على العقول الهيولانية، وإليها أشار بقوله: { وَمِمَّا لاَ يَعْلَمُونَ }.

السابقالتالي
2 3