الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير صدر المتألهين/ صدر المتألهين الشيرازي (ت 1059 هـ) مصنف و مدقق


{ لِيَأْكُلُواْ مِن ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلاَ يَشْكُرُونَ }

أي ثمر النخيل، اكتفاءٍ به لأنه علم أن الأعناب في حكم النخيل أو ثمر أحد المذكورين، أو الجنات بالتأويل المذكور.

والنكتة في إثبات هذه الغاية فيما نحن بصدده، من تطبيق هذه الآية على أحوال الأرواح الإنسية بحسب المعاد، هي أنه كما أن الغرض الأصلي من غرس الأشجار وتحصيل الثمار، هو التقوّتُ بها، والترقي إلى غاية النشوء الصوري والأشدّ الظاهري، وكذلك الغرض من تحصيل المعارف والصور العلمية الحاصلة بماء الإفاضة الفاعلية، وعين الإستفاضة القابلية، هو تكميل النشأة الثانية الإنسانية، وبلوغها إلى غاية فطرتها الروحية وأشد حقيقتها المعنوية.

وقريء " ثمره " بفتحتين وضمتين، وضمة وسكون.

وفي الكشّاف: " الضمير لله تعالى، والمعنى: ليأكلوا مما خلقه الله من الثمر، ومما عملته أيديهم من الغرس والسقي والآبار وغير ذلك من الأعمال، إلى أن بلغ الثمر منتهاه وابّان أكله، يعني أن الثمر في نفسه فعل الله وخلقه، وفيه آثار من كد بني آدم ".

وفيه أيضاً: " أصله: " من ثمرنا، كما قال: " وجعلنا، وفجّرنا " فنقل الكلام من التكلّم إلى الغيبة على طريقة الإلتفات ".

{ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ }:

وقريء: " ما عملت " من غير راجع، وهي في مصاحف الكوفيين، وعند قراء الحَرَمَينَ والبصرة والشام مع الضمير، و " ما " فيها موصولة عطف على " ثَمرِهِ " أي: والذي عمِلَته أيديهم، من أنواع الأشياء المتخذة من النخيل والعنب الكثيرة منافعها، وقيل: يعني الغروس والزروع التي عملتها أيديهم، وقاسوا حراثتها.

ولك أن تجعل " ما " فيها نافية، يعني: هذه الثمار مع صورها ومنافعها وخصائصها، ليست ما عملته أيدي الناس، بل هي فائضة من عالم قدرة الله بواسطة ملائكته المسخَّرين لإنشاء الصور النوعية، يقال لها: " أرباب الأصنام " في لسان الإشراق، وتسمى عندهم بأسامي " كخُرداد " و " مُرداد " و " أردي بِهِشْت " وأمثال هذه، ولها في لسان الشريعة أسامي: " كملك المياه " و " ملك الجبال " و " ملك الرياح " ونظائرها.

وفيه أيضاً إشارة إلى مسألة المعاد، وردّ شبهة أهل الجحود والعناد، حيث إن وجود الصور الأخروية، إنما كان بإنشاء الله بيد سدنة الجنان، وملائكة الرحمة والرضوان، وكما أن أعمال يد الإنسان في غرس الأشجار وبث البذور للثمار، مِمَّا لا دَخْلَ لها في إيجاد الصور النباتية، بل إنما كانت نوعاً من الحركة والرياضة ممّا لَهُ مدخلية في استجلاب رحمة الله، التي يكفي فيها أدنى مرجِّح يخرج به من محض الإمكان للشيء المتساوي طرفا وجودِه وعدمه.

فكذلك التفكّرات الإنسانية، والنّيات والعقائد الحاصلة من القوة المفكّرة، التي هي بمنزلة يد معنوية للنفس الفاكِرة، مما لا دخل لها في توليد النتائج والصور الكسبية، ولا تحصل هي بتعمّل أيدي القوة الناطقة، بل إنما تفيض الصور من واهبها بإذن الله، والأفكار وتعمّلاتها معدات للنتائج لا محصّلات، وهذه الصور المحصّلة العقلية (العلمية) والعقائد الحقة، ستصير عند البعث والنشور صُوَراً وأشخاصاً عينيّة، على شكل وهيآت حسيّة نورانية جنانية، يتَنعَّم بها السعداء، أو قبيحة مؤلمة مؤذية جحيمية، يتعذب بها الأشقياء، وهي أيضاً مما خلقها الله تعالى وأنشأها وأبدعها بجهات فاعلية، من ملائكة الرحمة أو العذاب، بيد سدنة الجنان، أو النيران، من غير تعمّل بشري وتصرّف حيواني.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7