الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير صدر المتألهين/ صدر المتألهين الشيرازي (ت 1059 هـ) مصنف و مدقق


{ وَآيَةٌ لَّهُمُ ٱلأَرْضُ ٱلْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبّاً فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ }

ومن الآياتِ الواضحةِ، والحججِ القاطعة لمنكري البعث والحَشر - كالأطباء والطبيعيين والدهريين والمتفلسفينَ، وطائفة من العوام المقلِّدين لهؤلاء، المتشبّثين بأذيال المتشبّهين بالعلماء والحكماء، ظناً منهم أن الحكمة توجب إبطال الشريعة - المبينةِ على ثبوت قدرة الله تعالى على حشر الأجساد، واحياءِ الموتى من العباد، هي الأرض الميتة، لغلبة جمود البرودة، وضعفِ قوة الحرارة، لفرط انحطاط الشمس عن سموت رؤوس بقاعها، فلا ينبت شيء ولا تتحرك أجزاؤها الكامنة فيها إلى جهة العلو، طلباً للكمال وارتفاعاً إلى العالم الأعلى، كالميت المنقطع عن الروح بحرارتها الغريزية، المستدعية للنمو والحس والحركة، لطلب الكمال اللائق بحاله.

أحييناها: أي الأرض المنقطع عنها أثر الحياة من الحرارة المنشئة للنبات، بنفخ الحرارة السماوية، بارتفاع دائرة الشمس بشعاعها المخروطي الشبيه بهيئة الصور الإسرافيلي، النافخ بإذن الله في النيران الكامنة في عروق الأرض وأعماقها بالقوة، وأخرجنا منها ما كمن فيها من أنواع الأعشاب والحبوب، التي يتقّوتونَه، مثل الحنطة والشعير والأرز وغيرها: فمنه يأكلون.

فهذا ضرب من الاستدلال على ثبوت قدرة الله على إعادة الأمثال، وتوضيحه: أن منكري المعاد، إنما أنكروا إحياء الموتى، لما توهَّموا أن إحياءها يوجب إعادة المعدوم بعينه، وهو مما ثبت استحالته.

والجواب: أن المُعاد في المَعاد هو الروح بعينها وهي باقية غير فانية مع بدن محشور مثل هذا البدن لا نَفْسه، حتى يلزم إعادة المعدوم، فالتمثيل بإنبات الربيع، وإخراج الحبوب من الأرض بعد يبسها، كما في هذه الآية وغيرها، للإشعار بأن المُعَادَ مثل البدن الأول كما دلّ عليه قوله تعالى:وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى ٱلأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَآ أَنزَلْنَا عَلَيْهَا ٱلْمَآءَ ٱهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ ٱلَّذِيۤ أَحْيَاهَا لَمُحْييِ ٱلْمَوْتَىٰ إِنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [فصّلت:39].

وهذا القدر في معنى المعاد مما اكتفى به جمّ غفير من علماء الإسلام منهم الغزالي، واستدل شارح المقاصد عليه بأن النصوص دالة على إعادة المثل لا الشخص بعينه من البدن، كقوله (صلى الله عليه وآله): " أهل الجنة جرد مرد " وكون " ضرس الكافر مثل جبل أحد " وبقوله تعالى:كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا } [النساء:56] وبمثل قوله تعالى:أَوَلَـيْسَ ٱلَذِي خَلَقَ ٱلسَّمَاواتِ وَٱلأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَىٰ أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُم } [يس:81].

واني لا أرتضيه كما بيّنته في مواضع من كتبنا وتفاسيرنا، بل المعاد عندنا هو هذا الشخص بعينه، وهذا الوجه بعينه، وهذه اليد بعينها، وهذه الأعضاء بشخصياتها وتحقيق هذا المعنى يحتاج إلى بسط عظيم خارج عن طور التفسير وإن لم يمكن فهم بعض الآيات التي في بيان الحشر بدونه، وقد بسطنا القول فيه في كتبنا، وسنذكر لمعة من أسرار المعاد في أواخر هذه السورة، فليراجع إليه من أراد ذلك.

فالأولى أن يحمل الآية على أنها لدفع شبهة أخرى لهم في نفي المعاد، هي أن استيناف الحياة في البدن يحتاج إلى استعداد سابق وقبول مادة مستعدة حاصلة بالتوالد والإزدواج الحاصل من الأبوين، ثم حركة في الإنفعال وتدرج في كمال بعد كمال، حتى يحصل الولد ويحيي المني المستعد، وهذه الأسباب مفقودة بعد هلاك الكل، فكيف يوجد الخلائق الكثيرة العظيمة ويحيي عظامها البالية الرميمة دفعة من غير تعاقب وتوالد وتدرج في الاستكمال، وحصول أسباب وانفعالات وسبق استعدادات الكمال بعد كمال؟.

السابقالتالي
2