الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير صدر المتألهين/ صدر المتألهين الشيرازي (ت 1059 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا عَلَيْنَآ إِلاَّ ٱلْبَلاَغُ ٱلْمُبِينُ }

تحذير شديد، وإلزام بليغ لهم، وجواب بنمط آخر على كلامهم يناسب جمهور الناس.

ووجه الاحتجاج بهذا القول عليهم، بعد القول الأول المناسب للخواصّ: أن وجوب النظر أمر عقلي، كل عاقل يعلم من نفسه بحسب الغريزة العقلية التي أعطاه الله، والفطرة الأصلية التي فطر الناس عليها، ويكون حجة الله على خلقه، والقاضي بينه وبينهم، أنَّ شكرَ المنعم واجب، لأن في إهماله، خطر سوء العاقبة، وفي فعله الأمنُ والسلامة، والعاقل لا يختار الخطر على الأمن، ولا يُرجِّح احتمالَ الضرر على تيقّن السلامة.

نعم، ربما يغفل عن مقايسة الجانبين، ويذهل عن تصوّر الطرفين، لشدة توغُّله في الشواغل، فيحتاج إلى منبّه، والله تعالى، لغاية رحمته على عباده، بعث الرسل إليهم من خارج، بعد أن أعطاهم عقلاً من داخل، لتنبّه تلك الرسل عقولهم عن نوم الغفلة، ورقدة الجهالة، وسِنَةِ التقليد، ولذا قيل: " العقل شرع من داخل والشرع عقل من خارج " ، فلو لم يكن الله قد أفاض في الداخل العقول، لما كانت مهتدية، وَلاَ لَهُمْ فائدة من بعثة الرسول، فالمعنى: وليس يلزمنا إلاّ أداء الرسالة وتبليغ الأحكام.

وقيل معناه: وليس علينا أن نحملكم على الإيمان، فإنّا لا نقدر عليه، لأن الإيمان عطائي حاصل بإفاضة الله تعالى على القلب، ولا يمكن حصوله بالإكراه والجبر، كقوله تعالى:لاَ إِكْرَاهَ فِي ٱلدِّينِ } [البقرة:256].

ثم لما كان من عادة الجهال والأرذال بسبب محبتهم للدنيا والنفس والمال، أن يخافوا من زوال شيء مما تلذذوا به غاية الخوف، فيتمنوا كل ما اشتهَوْه وآثروه، وقبلته طباعهم، وتشاءَموا بكل ما نَفَروا عنه وكرهوه، وحيث كانت الدنيا مبلغ همّتهم، وغاية قيمتهم، ورأوا أهل الدين والورع في وضع البذاذة والتقشّع، لتطليقهم الدنيا، وإيثارهم الآخرة عليها تشوُّقاً إلى لقاء المولى، ورأوا المعرضين عن الحكمة والمعرفة بخلاف ذلك، فتطيّروا بأهل الدين وتشاءَموا من مصاحبة أرباب العلم واليقين، وتيمّنوا بخدمة الظَلَمَة والشياطين، وافتخروا بصُحبة الحكام والسلاطين، فلو صاحبوا أحداً من الصلحاء، فكل ما أصابهم من قبيل الآفة والنقص فتطيّروا به، كما حكى الله عن أهل القبط، وتشاؤمهم بأهل السِّبط بقوله:وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُواْ بِمُوسَىٰ وَمَن مَّعَهُ } [الأعراف:131]، ومن مشركي أهل مكة، وتشاؤمهم بالنبي (صلى الله عليه وآله)وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُواْ هَـٰذِهِ مِنْ عِندِكَ } [النساء:78]. فلذلك قال أصحاب القرية كما حكى سبحانه عنهم بقوله:

{ قَالُوۤاْ إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِن لَّمْ تَنتَهُواْ لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ } [يس:18].