الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير صدر المتألهين/ صدر المتألهين الشيرازي (ت 1059 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالُواْ رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّآ إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ }

لاَ عَلَى الوجه الذي فهمه الزمخشري ومن تبعه، وهو أن قوله: " ربُنا يعلم " جار مجرى القَسَم في التوكيد، كقولهم " شَهِدَ الله " ، و " عَلِمَ الله " ، لأن معنى الآية، دفع الشبهة العلمية المفصَّلة، فاستئناف الدعوى مقرونة بالقسم غير منجح، والبيان القَسَمي غير نافع في المقامات العلمية، التي لا يُتَوَصَل إليها إلاّ بالطمأنينة اليقينية، على أن احتمال التورية في القسم قائم، ثم اعتذاره، بأن هذا القَسَم، لَمّا كان مشفوعاً بالبيّنة الشاهدة، والآيات الواضحة، مستحسن، كما ترى.

وإنّما حمله على هذا التوجيه في الآية أمران: أحدهما: وجود الّلام للتأكيد في " مرسلون " ، الثاني دون الأول. وثانيهما: المماثلة المعنوية بين قولهم " ربُنا يعلم " وقول الناس " شهِدَ الله " ، و " علم الله " ، الواقعيَنِ أحياناً في مقام القَسَمْ وكِلا الوجهين ضعيف كما لا يخفى.

وأيضاً لا على الوجه الذي فهمه أتباع الأشاعرة من قولهم: أن للفاعل المختار، أن يرجّح بعلمه وإرادته، بعض الأمور المتماثلة من غير مرجّح، لأن الألوهية إنما تتحقق، بأن يفعل ما يشاء ويختار ما يريد - أي من غير مخصّص -، قالوا: كما أن شأن الإرادة تخصيص أحد الطرفين المتساويين - كما في قَدَحَيْ عطشان وطريقَيْ هارِب - فكذا شأنها تخصيص احد المتساويين في الماهية ولوازمها من غير افتقار مُرجّح وداع، وذلك، لأن إثبات الفاعل المختار على هذا الوجه، مفسوخ الأصل مبرهن الفساد - كما حقق في مظانّه -، بل أن يكون المراد منه، أن الله تعالى بحسب عنايته الأزَلِية المتعلقة بنظام هذا النوع الإنساني، وعلمه الأزلي بمصلحة الكائنات، يهدي من يشاء من عباده، ويصطفي من الناس من يصلح للرسالة، لا لمجرّد اتفاق أو جزاف - تعالى عن ذلك عُلُوّاً كبيراً - بل بحسب اختلاف الأفراد في سبق الاستعداد، وصلوح القوابل والمواد، وتفاوتهم في اللطافة والكثافة، وصفاء القلب ونوريّة الفؤاد، وقِلّة الحُجُب وكَثْرتِها عن المبدء الجواد.

فإن الأرواح الأنسيّة، بحسب الفطرة الأولى والثانية، مختلفة في الصفاء والكدورة، والقوة والضعف، مترتبّة في درجات القُرْب من الله، وكذا المواد السفليّة بإزائها، متفاوتة تفاوتاً نوعياً أو صنفياً أو شخصيّاً، وقد قُدّر بإزاء كل مادة ما يناسبها من الروح، فَحَصَل من مجموعها استعدادات مناسبة لبعض العلوم والأخلاق، والصفات والكمالات، فأعظم السعادات لأجْودَ الاستعدادات، وأكملُ الكمالات لأِشْرَف الأرواح، وهي أرواح الأنبياء والأولياء (عليهم السلام)، في كل زمان، بحسب أوضاع كل وقت، وأشرفُ أرواحِ الأنبياء، روحُ خاتمهم وسيّدهم، سيّد الكل في الكل، (صلى الله عليه وآله وسلم)، وَبعدَه طبقة أولياء أهل بيته الطاهرين، المستمرة سلسلتهم إلى زمان ظهور المهدي، وَلِيِّ آخر الزمان، صلوات الله عليه وآبائه أجمعين.

السابقالتالي
2 3 4 5