الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير صدر المتألهين/ صدر المتألهين الشيرازي (ت 1059 هـ) مصنف و مدقق


{ إِذْ أَرْسَلْنَآ إِلَيْهِمُ ٱثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوۤاْ إِنَّآ إِلَيْكُمْ مُّرْسَلُونَ }

{ إِذْ أَرْسَلْنَآ إِلَيْهِمُ ٱثْنَيْنِ }:

أي رسولَينِ مِن رُسُلنَا، وإنما أُضيفَ الإرسال هاهنا إلى الله تعالى، وإن كان عيسى (عليه السلام) هو الذي أرسلهما، لأن إرسالَه كان بأمر الله - كما قيل -، أو لأنه لغاية قربِ عيسى (عليه السلام) من الله، وتجرّده عن أغراض النفس، واستهلاك نوره في نور الحق، كان في مقام العبودية، فكان فعله فعلَ الحق، من قبيل قوله تعالى:وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ رَمَىٰ } [الأنفال:17].

ومثل قول النبي (صلى الله عليه وآله): " من أطاعني فقد أطاع الله ".

وقوله (صلى الله عليه وآله وسلم): " من رآني فقد رأى الحق ".

وكما في الحديث المشهور: " لا يزال العبد يتقرَّبُ إليَّ بالنوافل حتى أحببته ".

وها هنا سر آخر، وهو أن الإنسان إذا بلغت منزلته في البراءة عن الهوى والنفس، إلى أن مات عن نفسه، واتّصل بعالم القدس، يصير بحيث يفيض عليه نور الحق، بلا توسط ملك مقرَّب أو نبي مرسَل، فإذا كان مأموراً باصلاح النوع، كان لغاية استعداده وقربه من الحق، يقبَلَ منصب الرسالة أو الخلافة بلا واسطة، وإن كان حصول هذا المقام له بنور المتابعة لمن استخلفه، وهذا كما لأمير المؤمنين (عليه السلام)، حيث كان إماماً للمؤمنين، وخليفةً لرسول رب العالمين، بنَصٍّ من الله، لأجل كرامته في نفسه، وقربه من الله بحسب التابعية، كما تدل عليه أحاديث كثيرة، مثل قوله (صلى الله عليه وآله): " أنا وعلي من نور واحد " وقوله: " لا تسبّوا علياً فإنه ممسوس بنور الله " ، ونظائر ذلك.

وبالجملة، بعض المناصب لِشَرَفِها، لا بد وأن تكون من قِبَلِ الله، بلا مشاركة أحد، لقرب الاستعداد، وإن كانت الأمور كلها من الله، إلاّ أن بعضها مترتب على بعض، وبعضها فائض من الله بلا واسطة الخلق، وذلك كالنّبوة والرسالة والولاية، فإن " الولي " وليٌّ بكرامة باطنية من الله، وكذا " الحكيم " ، و " العارف " ، فإن كلاً منهما فيض ورحمة من الله، لا يمكن انتقاله من شخص إلى آخر باختيار العباد، وليست كذلك السلطنة والحكومة، والقضاء والإمارة، وتولية الأوقاف وما يجري مجراها.

ولهذا، حكي في قصة رسولَيْ عيسى (عليه السلام)، كما سننقل، أنهما قالا، حين سألهما ملكُ القرية: " مَنْ أرسلكما؟ ": " أرسلنا الله الذي خلق كل شيء " ومن ها هنا، عُلِمَ أن أمثال هذه المناصب موهبة، وإن كان للكسب فيه مدخل ما، على وَجْه الإعداد والتقدمة، بتوفيق من الله وتيسيره.

{ فَكَذَّبُوهُمَا }:

أصحابُ القرية: قال ابن عباس: " ضَرَبوهُما وسَجَنوهُما ".

وشَرْحُ قصتهما - كما نقل -، أنهما لمّا قَرُبا من المدينة، رأيا شيخاً يرعى غنيمات له، وهو حبيب النجار، صاحب يس، فسألهما عن حالهما فأخبراه، فقال: " أمعكما آية؟ " فقالا: " نشفي المريض ونبريء الأكمَهَ والأبرص؟ " ، وكان له ولد مريض من سنتين، فمسحاه، فقام، فآمن حبيب وفشا الخبر، فشفي على أيديهما خَلْق كثير.

السابقالتالي
2