الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير صدر المتألهين/ صدر المتألهين الشيرازي (ت 1059 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ ٱتَّبَعَ ٱلذِّكْرَ وَخشِيَ ٱلرَّحْمـٰنَ بِٱلْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ }

{ إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ ٱتَّبَعَ ٱلذِّكْرَ وَخشِيَ ٱلرَّحْمـٰنَ بِٱلْغَيْبِ }:

لكونه ذا فطرة صحيحة، وقلب خاضع خاشع لذكر الله، خاش من الرحمان في عالم الغيب، وإنما أطلق هذا الاسم، للإشارة إلى أن خشية أهل العرفان، حاصلة من إدراك العظمة لله، وشدة النوريَّة الالهية، واشعة الرحمة اللامتناهية، وليست الخشية منهم خشية العقاب، وإلاّ لَنَاسب أن يذكر بدل اسم " الرحمان " اسم " المنتقم " أو " القهّار " أو " العدل ".

واعلم أن نفي الإنذار هاهنا عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، بالقياس إلى الأشقياء المردودين، كما يستفاد من كلمة " انما " الكائنة للحصر، ليس بمناف لثبوته سابقاً مع انتفاء الإيمان، وذلك لأن النفي ها هنا باعتبار. نفي ترتّب الغاية والبغية، لأن ثمرة الإنذار ترتّبُ الإيمان، فإذا انتفت الثمرة، فكأنه انتفى الإنذار، وأما الإثبات، فهو باعتبار تحققه في نفسه، مع قطع النظر عن التأثير ووجود الأثر، فلا يتنافيان، وهذا كالشمس المضيئة، التي شأنها إضاءة وجه الأرض، فإذا حَجَب عنها حجاب، وحدث فوق الأرض سحاب، فلم يستضيء منها وجه الأرض، يصدق على الشمس حينئذ إنها مضيئة، ويصدق أيضاً أنها غير مضيئة، كل منهما باعتبار آخر.

{ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ }:

من الله له عن ذنوبه المتقدمة والمتأخرة، كوروده في جحيم الدنيا، ومصاحبة مؤذياتها، وقبوله الصفات الهَيوليَّة مدة بشوم الإقتران مع أقران السوء ورؤيتهم.

{ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ } [11]:

ونعيم جسيم، من جنة الأفعال والصفات، أو الذات، على حسب الدرجات.

ولما كان قبول دعوة الحق بالإنذار، والاهتداء بفهم الآيات والأنوار، وطلب اليقين بحقائق الدين، يوجب أن يحيى القلوب بالحياة الأبدية الأخروية، ويتنوّر بروح الحقائق والمعارف اليقينية. ويتخلص من موت الجهالة، وينجو من عذاب الأخلاق الرديّة، وكل ما يخرج من القوة إلى الفعل، فيحتاج إلى سبب يخرجه، والمخرج للنفوس الميتة بموت الجهل وعذاب النقص والآفة، إلى روح العقل المستفاد، المضيء في دار المعاد، وفسحة المعارف والأنوار، الواقعة في دار القرار، ومشاهدة الصور الحسان، الموجودة في طبقات الجنان، إنما يكون مبدءاً درّاكاً فعّالاً للمعقولات، خلاّقاً للعلوم المفارقة عن هذه الماديات، وهو الباري سبحانه، أو ضَرْبٌ من ملائكته المقربين، إذ لو لم يكن حصول المعارف عنده، أو عند مُقرَّبيه، بتأييده على سبيل الفعّالية، لكان مفتقراً في إدراكه للمعارف والعلوم، وخروجه من القوة إلى الفعل، إلى مبدء آخر أجل منه رتبة وفضيلة، فيلزم أن يكون إله العالم ناقصاً في رتبته، مفتقراً إلى غيره في كمال وجوده، وهو ممتنع عليه - تعالى عما يقوله الظالمون علواً كبيراً -