الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير صدر المتألهين/ صدر المتألهين الشيرازي (ت 1059 هـ) مصنف و مدقق


{ يُدَبِّرُ ٱلأَمْرَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ إِلَى ٱلأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ }

{ ٱلأَمْرَ } هو وجود الأشياء في أنفسها، وتدبير الوجود المطلق من الله تعالى هو إفاضته بالفيض الإيجادي المعبر عند بعض العارفين بالنفس الرحماني، فإن علمه تعالى بالأشياء عين موجوديته لها.

وقوله: { مِنَ ٱلسَّمَآءِ إِلَى ٱلأَرْضِ } إشارة إلى الموجودات الواقعة في سلسلة البدو، والصادرة على سنّة الإبداع، من غير مدخلية الحركات والاستعدادات، إذ الوجود ابتدأ منه بأن أبدع أولاً عقلاً قدسياً مع ما يتلوه في الشرف من العقول القدسية، وعالمها عالم القضاء وعالم القلم الأعلى، ثم أبدع نفساً كلياً متعلقاً بالفلك مع سائر النفوس الفلكية التي دونها في الشرف، وعالمها عالم القدر وعالم اللوح المحفوظ، ثم الصور النوعية وقواها وكيفياتها، ثم الصور الجرمية الامتدادية، ثم الهيوليات الفلكية والعنصرية، واحدة للعنصريات، والتسع الباقية للفلكيات، لأنها تَسعُ جُمَل، كما بيّن عددها وترتيبها بالرصد والحساب في علم الهيئة.

وقوله تعالى { ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ } إشارة إلى وجود سلسلة العود إليه ورجوع الأشياء إلى فطرتها الأصلية، وذلك بتمزيج العناصر الحاصلة من هيولى هذا العالم وتحصيل مزاج متوسط بين الأضداد، معتدل بعيد عن الفساد، مظهر اسم الله الجامع المستحق لخلافته تعالى، فيبتدئ الوجود فيها من أخس الموجودات رتبة إلى الأشرف فالأشرف، وهي الهيولى الأولىٰ، ثم الجسم المطلق، ثم المركب المعدني، ثم النبات، ثم الحيوان، ثم الإنسان، ثم ذو العقل الهيولانى، ثم ذو العقل بالملكة، ثم ذو العقل بالفعل، وهلّم جراً إلى مرتبة الأنبياء والاولياء الواصلين إلى عالم الربوبية ومجاورة الحق الاول والملائكة المقرّبين.

وقوله تعالى: { فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ } يحتمل أن يكون ظرفاً لقوله: { يُدَبِّرُ ٱلأَمْرَ } مع ما يتلوه، أو لقوله: { ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ } ، وعلى الوجهين، لا تفاوت في التقدير، لأن التقدير بالزمان يختص بسلسلة العائدات، وأما البادئات فوجودها عنه تعالى دفعي كلمح البصر لا يتقدر بالزمان أصلاً.

تبصرة

قيل: " الأمر " ، هو المأمور به من الطاعات والأعمال الصالحة، ينزله مدبراً من السماء إلى الأرض، ثم لا يعمل به ولا يصعد إليه ذلك المأمور به خالصاً كما يريده ويرتضيه، إلاَّ في مدة متطاولة لقلة عمّال الله والخلّص من عباده، وقلة الأعمال الصاعدة، لأنه لا يوصف بالصعود إلاَّ الخالص، ودل عليه قوله تعالى على أثره:قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ } [السجدة:9] أو يدبر أمر الدنيا كلها من السماء إلى الأرض لكل يوم من أيام الله، وهو ألف سنة كما قال:وَإِنَّ يَوْماً عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ } [الحج:47].

{ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ } أي يصير إليه ويثبت - عنده ويكتب في صحف ملائكته كل وقت من أوقات هذه المدة ما يرتفع من ذلك الأمر ويدخل تحت الوجود، إلى أن تبلغ المدة آخرها، ثم يدبر أيضاً ليوم آخر وهلم جراً إلى أن تقوم الساعة.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7