الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير صدر المتألهين/ صدر المتألهين الشيرازي (ت 1059 هـ) مصنف و مدقق


{ أَمْ يَقُولُونَ ٱفْتَرَاهُ بَلْ هُوَ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ لِتُنذِرَ قَوْماً مَّآ أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ }

لفظة: " أم " ها هنا هي المنقطعة الكائنة بمعنى كلمة " بل " الإضرابية والهمزة الإنكارية، كأنه تعالى لما أشار أولاً إلى حقيقة القرآن وعظمته الثابتة له في عالم اللوح والقلم وقضاء الله الأتم، ثم رتب عليه تنزيله من رب العالمين، وأكّد ذلك بنفي الريب عنه لأهل الله والعلماء الراسخين، فأضرب عنه إلى ما يقولون فيه ويلحدون في حقيقته إلى خلاف ذلك، إنكاراً لقولهم وتعجيباً من جحودهم، فإن الأمر أظهر من أن يخفى على عقلائهم، لظهور العجز في إتيان ثلاث آيات منه عن بلغائهم، ثم أضرب إلى إثبات ما هو بصدده من إثبات أنه الحق المنزل من الرب تعالى.

ومثّل صاحب الكشاف هذا الأسلوب الصحيح المحكم، بأن يعلل العالم في مسالة بعلة صحيحة جامعة، قد احترز فيها أنواع الاحتراز، كقول المتكلمين: النظر أول الأفعال الواجبة على الإطلاق، التي لا يعرى عن وجوبها مكلف، ثم يعترض عليه فيها ببعض ما وقع احترازه منه، فيرده بتلخيص أنه احترز من ذلك، ثم يعود إلى تقرير كلامه، وتمشيته. ثم بيّن فائدة التنزيل، وهي إنذار قوم لم يأتهم من قبل النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم)، وذلك ان قريشاً لم يبعث الله إليهم رسولاً قبله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، كقوله:مَّآ أُنذِرَ آبَآؤُهُمْ } [يس:6] ترجياً من الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلم) لهدايتهم مثل ترجّي موسى وهٰرون، الواقع في قوله تعالى:لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ } [طه:44]. ويحتمل ان يكون لفظ الترجّي مستعاراً للإرادة فيكون من الله تعالى.

مكاشفة

لمّا علمت ان نفي الريب في كون الكتاب مُنْزلاً من الله، إنما يكون من القلوب الصافية الصحيحة، البريئة عن مرض الغواية وآفة الغباوة، لأن مميط الريب ودافعه لازم للقرآن غير منفك عنه، وهو كونه بالغاً حداً من الكمال يعجز عنه بنو نوع البشر، وإنما هو أمر فائض من خالق القوى والقدر، وأما قول من يقول: " إنه افتراه " فهو إما قول متعنت يجحد بآيات الله مع علمه أنه من الله، أو جاهل بليد مختوم على قلبه في أصل الفطرة، أو غير مرتاض بالنظر والتأمل فيسمع الناس يقولون شيئاً فيتبعهم من غير رويّة فقال بما قالوه قبل التدبر. فاعلم ان الذين لم يأتهم نذير في إقامة الحجة عليهم وعدمها يوم القيامة أقسام: لأنهم إما مستعدون بحسب الفطرة لارتقاء طريق السعادة والخير أم لا، وعلى الأول: إما أن يكونوا مقصّرين فيما لا يدرك إلاّ بالشريعة لعدم استقلال العقل به، وأمَّا فيما سوى ذلك كمعرفة الله وتوحيده وعلمه وحكمته، فالأوّلان لا يقام عليهما حجة، بخلاف القسم الثالث لأن أدلة العقل وأسباب الهداية معه في كل وقت.

هذا بحسب ما اقتضاه الدليل العقلي الموافق لما ذهب إليه أهل الحق من قاعدة التحسين والتقبيح العقليين، وأما الدليل النقلي، فالمستفاد من الأحاديث المروية عن أئمة العصمة والهداية سلام الله عليهم أجمعين:

منها ما رواه صاحب كتاب الكافي الشيخ الجليل ثقة الإسلام أبو جعفر محمد بن يعقوب الكليني طاب ثراه، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن ابن أبي عمير، عن جميل بن دراج، عن ابن الطيار، عن أبي عبدالله (عليه السلام)، قال: " إن الله احتج على الناس بما آتاهم وعرّفهم ".