الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير صدر المتألهين/ صدر المتألهين الشيرازي (ت 1059 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَابَ فَلاَ تَكُن فِي مِرْيَةٍ مِّن لِّقَآئِهِ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِيۤ إِسْرَائِيلَ } * { وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُواْ وَكَانُواْ بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ }

قرأ حمزة والكسائي ويونس عن يعقوب: لِمَا صبروا - بكسر اللام -، والباقون بفتح اللام وتشديد الميم، فعلى الأول " ما " مصدرية، والجار متعلق " بجعلنا " أي: جعلنا منهم أئمة لصبرهم، وعلى الثاني " لما " للمُجازاة، وحذف الجزاء لإغناء الفعل المتقدم عنه. و " الكتاب " للجنس، والضمير في " لقائه ": إما لموسى (عليه السلام)، أي من لقائك موسى ليلة الإسراء. أو يوم القيامة. أو للكتاب، أي: من لقاء موسى الكتاب، يعني: إنا آتينا موسى مثل ما آتيناك من الكتاب، ولقيّناه مثل ما لقيناك من الوحي، فلا تكن في شك من لقائك مثل لقائه كقوله:فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّآ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ فَاسْأَلِ ٱلَّذِينَ يَقْرَءُونَ ٱلْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ } [يونس:94]. ومثل قوله: " من لقائه " ، قوله:وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى ٱلْقُرْآنَ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ } [النمل:6]. وقوله:وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنْشُوراً } [الإسراء:13].

وقيل: " من لقائه " معناه: من لقاء موسى إيّاك في الآخرة.

وقيل: معناه فلا تكن - يا محمد (صلّى الله عليه وآله وسلم) - في مرية من لقاء موسى الكتاب، أي: من تلقيه بالرضاء والقبول - عن الزجّاج -.

وقيل معناه: فلا تكن في شك من لقاء الأذى كما لقي موسى الأذى - عن الحسن.

والضمير في " جعلناه " ، إمّا للكتاب، لما في التوراة من الأحكام وبيان الحلال والحرام، أي: وجعلنا موسى هادياً لبني إسرائيل - عن قتادة -، أو وجعلنا الكتاب هادياً لهم - عن الحسن -، وجعلنا منهم أئمة يهدون الناس ويدعونهم إلى ما في التوراة من دين الله وشرائعه لما صبروا عليه من مشاق التكليف وتثبتهم على اليقين، كما نجعلنَّ من أمتك أمه يهدون مثل تلك الهداية لما صبروا عليه من نصرة الدين، وتثبتوا عليه من اليقين -. وعن الحسن: صبروا عن الدنيا.

ونقل في الكشاف: إنما جعل الله التوراة هدى لبني إسرائيل خاصة، ولم يتعبد بما فيها ولد إسماعيل (عليه السلام). وهذا النقل أيضاً يدل على أن الغالب فيها الأحكام العملية التي يتطرق إليها النسخ والتغيير، دون المعارف والربوبيات المحفوظة عنها.

مكاشفات سريّة ونفثات رُوْعِيَّة

إعلم أن الفرق بين القرآن المجيد وسائر كتب الله المنزلة على الأنبياء، بأن القرآن كلام الله وكتابه جميعاً، وغيره كتاب فقط، وكلام الله أشرف من كتابه بوجوه:

أولها: إن كلامه تعالى قوله، وكتابه فعله، والقول أقرب إلى القائل من الكتاب إلى الكاتب، فكلام الله أشرف من كتابه.

وثانيها: إن الكلام والقول من عالم الأمر:إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَآ أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } [النحل:40]، والكتاب من عالم الخلق، وعالم الأمر كله علوم عقلية وحقائق معنوية، بخلاف عالم الخلق، لأن العلوم والمعاني زائدة فيه على صحائف مداركها وألواح مشاعرها.

السابقالتالي
2 3