الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير صدر المتألهين/ صدر المتألهين الشيرازي (ت 1059 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِّنَ ٱلْعَذَابِ ٱلأَدْنَىٰ دُونَ ٱلْعَذَابِ ٱلأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ }

اختلف المفسّرون في ما هو المراد من العذاب الأدنى، فقيل: هو المصائب والمِحَن في الأنفس والأموال، - عن أُبَيّ بن كعب وابن عباس وابي العالية والحسن -.

وقيل: هو الأسر والقتل يوم بدر، - عن ابن مسعود وقتادة والسدي -.

وقيل: ما ابتلوا به من الجوع سبع سنين بمكة، حتى أكلوا الجيف والكلاب - عن مقاتل -.

وقيل: هو الحدود - عن عكرمة وابن عباس -.

وقيل: هو عذاب القبر - عن مجاهد -.

وروي أيضاً عن أبي عبد الله (عليه السلام).

والأكثر في الرواية عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام): إن العذاب الأدنى الدّابة والدجّال.

وأما العذاب الأكبر، فهو عذاب الآخرة بالإتفاق.

{ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ }: أي ليرجعوا إلى الحق ويتوبوا من الكفر.

وقيل: ليرجع الآخرون عن أن يذنبوا مثل ذنوبهم.

وقيل: لعلهم يرجعون، أي يريدون الرجوع إلى الدنيا ويطلبونه، كقوله تعالى:فَٱرْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً } [السجدة:12].

والظاهر أن هذا الوجه ناظر إلى كلام من وجّه حمل العذاب الأدنى بعذاب القبر - كما نُقل عن مجاهد -، وهو ليس بشيء، لأنه يلزم تعليل فعل الله تعالى بأمر عبثي لا فائدة فيه، فإن إرادة الرجوع منهم إلى الدنيا بعد القيامة، إرادة أمر مستحيل الوقوع كما مر، فلا يجوز أن تكون إذاقة العذاب إيّاهم من الله، معللةً بتلك الإرادة الوهمية الجزافية، اللَّهمَّ إلاَّ أن يقال: نفس تلك الإرادة نوع من الألم والعذاب فيهم - وهو كما ترى -.

ولا يبعد أن يراد من العذاب الأدنى نفس البقاء في الدنيا والبشرية، فإن البشرية كلها عذاب، وهو منشأ عذاب القبر، بل القبر الحقيقي هو الكون في حفرة هذا القالب الدنيوي، وهو موت الروح وعذابه.

وسئل بعض الأكابر عن العذاب في القبر، فقال: القبر كله عذاب، إلاَّ أنه قبر متحرك، كما قيل:
در حبس جرخ كور روانست اين تنم.   
وفي الحديث عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): " من أراد أن ينظر إلى ميت يمشي فلينظر إليّ ".

مشكاة فيها مصباح

إن مفهوم الترجّي المستفاد من لفظ: " لعلهم " ها هنا وفي مواضع كثيرة من القرآن، مما استصعب القوم استناده إلى الله تعالى، لكونه يستعمل فيما لا قطع لوجوده من الاحتمالات المرجوّة الوقوع، والله محيط بالأشياء من غير احتجاب وخفاء عليه، وأيضاً " لعل " من الله إرادة، وإرادة الله إذا تعلقت بشيء كان ثابتاً ولم يمتنع تحققه، وتوبتهم مستحيلة الوقوع، وإلاّ لم يكونوا ذائقين العذاب الأكبر، ولم أجد في كلام أحد من الناظرين في الكلام، والباحثين في علم الكلام، ما به يطمئن القلب ويسكن الروع، وكنت منتظراً حتى يأتي الله بأمر كان مفعولاً [أمّا المذكور في أقوالهم فوجوه:

السابقالتالي
2 3