الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير صدر المتألهين/ صدر المتألهين الشيرازي (ت 1059 هـ) مصنف و مدقق


{ تَنزِيلُ ٱلْكِتَابِ لاَ رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ ٱلْعَالَمِينَ }

خبر مبتدأ محذوف، أو هو مبتدأ خبره " لا ريب فيه " ويكون " من رب العالمين " حالاً من الضمير في " فيه " لأن المصدر لا يعمل فيما بعد الخبر، ويجوز أن يكون خبراً ثانياً، وعلى تقدير كون " تنزيل الكتاب " خبر مبتدأ محذوف يجوز أن يكون " من رب العالمين " خبراً ثانياً، و " لا ريب فيه " حال من الكتاب المنزل أو اعتراض. والأوْلىٰ ان يرتفع " تنزيل " بالإبتداء، وخبره: { مِن رَّبِّ ٱلْعَالَمِينَ } ، ويكون { لاَ رَيْبَ فِيهِ } اعتراض لا محل له، كما وجهه صاحب الكشّاف.

واعلم أن الضمير المجرور راجع إلى مضمون الجملة، أي لا ريب في كونه مُنْزَلاً من رب العالمين، ويدل عليه قوله:أَمْ يَقُولُونَ ٱفْتَرَاهُ } [السجدة:3] لأن هذا القول منهم في المفهوم، يساوق لإنكارهم كون القرآن مُنزلاً من الله تعالى، للتقابل الحقيقي بين كون الكلام مفترى، وبين كونه مُنْزلاً من رب العالمين.

ويحتمل أن يكون معنى " تنزيل الكتاب " من باب إضافة الصفة إلى الموصوف، فيحتاج في تعلق ضمير " فيه " إليه إلى ارتكاب حذف مضاف، كالتنزيل ونحوه.

ويحتمل أن تكون الجمل الثلاث أخباراً متبادلة لمبتدأ محذوف، وفي الآية احتمالات أخرى بحسب الإعراب كما لا يخفى على أُولي الآداب.

والمعنى - والله أعلم - أنه لا ريب لأهل الكشف واليقين العارفين بمقامات الواصلين إلى مقام اللوح النفساني والقلم العقلاني والعلم السبحاني، ان هذا الكتاب الذي هو العقل الفرقاني والوجود المحمدي (صلّى الله عليه وآله وسلم) الذي هو لوح المعارف الإلهية، وقلم العلوم اللَّدُنِيَة، فائض من رب العالمين بلا وسيلة من خلقه، أو ذريعة من غيره، بل الله قد أنشأه وأغناه من غيره، وربّاه من مرتبة إلى مرتبة، وعرج به من عالم إلى عالم، وأسرى به ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، حتى بلغ الغاية القصوى وارتفع إلى مقام أو أدنى، وحيث كانت مرتبته مشتملة على جميع مراتب العوالم، لوروده على كل نشأة وعالم، فكان المربي له (صلّى الله عليه وآله وسلم) رب العالمين، فوقعت الإشارة إلى هذه الدقيقة في قوله: { رَّبِّ ٱلْعَالَمِينَ } تعظيماً لشأنه وتكريماً لامتنانه.

فالكتاب إشارة إلى ذات النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم)، المعبر عنه تارة بالقرآن لمقامه الجمعي الإجمالي العقلي، وتارة بالفرقان لمقامه الفرقي التفصيلي النفسي، وهما مقامان باطنيان فوق ساير المقامات النزولية والإنزالية السماوية والدنيوية، وإطلاق الكتاب على الجوهر العقلي القلمي القرآني، أو النفسي اللوحي الفرقاني شائع ذائع في كلام الله تعالى وكلام انبيائه وأوليائه (عليهم السلام)، كقوله تعالى:أُوْلَـٰئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلإِيمَانَ } [المجادلة:22] وقوله تعالى:ٱقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَىٰ بِنَفْسِكَ ٱلْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً }

السابقالتالي
2 3