الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير صدر المتألهين/ صدر المتألهين الشيرازي (ت 1059 هـ) مصنف و مدقق


{ أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً كَمَن كَانَ فَاسِقاً لاَّ يَسْتَوُونَ }

وكلمة " مَن " في الموضعين مفرد لفظاً مجموع معنى، فبالاعتبار الأول أورد: " كان مؤمناً " و " كان فاسقاً " محمولين على اللفظ، وأورد: " لا يستوون " حملاً على المفهوم كما يدل عليه قوله: " أما الذين آمنوا " ، " وأما الذين فسقوا " ، ومثله قوله تعالى:وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّىٰ إِذَا خَرَجُواْ مِنْ عِندِكَ } [محمد:16].

والمراد " بالفاسق " هنا: الكافر، لخروجه عن الإيمان، لما في الآية التالية من ذكر عدم الخروج والتكذيب.

قال ابن أبي ليلى: نزلت في علي بن أبي طالب (عليه السلام) ورجل من قريش.

وقال غيره نزلت هذه الآية إلى قوله: " لعلهم يرجعون " فيه (عليه السلام) والوليد بن عقبة، فالمؤمن علي (عليه السلام) والفاسق الوليد، وذلك أنه قال لعلي (عليه السلام): " أنا أَبْسَطُ منك لساناً وأَحَدُّ منك سِناناً " فقال (عليه السلام): " ليس كما تقول يا فاسق ".

قال قتادة: " لا والله ما استويا، لا في الدنيا ولا عند الموت ولا في الآخرة ".

مكاشفة

إنه لما علم مما سبق غاية خسّة الكافر والفاسق، بحيث تنزل درجتهم عن درجة الأنعام والبهائم لقوله:وَذُوقُـواْ عَذَابَ ٱلْخُلْدِ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } [السجدة:14]، وغاية درجة المؤمن بحيث يعلو ويفوق على كثير من خلقه تعالى، حتى ضروب من ملائكة الله لقوله تعالى:فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّآ أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } [السجدة:17]، فيتوهم ها هنا للنفوس الغير المتدربة في العلوم الدقيقة والأنظار اللطيفة العميقة، أن أفراد الإنسان لمّا كانت متساوية الحقيقة، فيمتنع أن يصير بعضهم أعلى علّيين، وبعضهم أسفل سافلين.

والجواب: بأن هذا التفاوت إنما يكون بالعوارض الغريبة التي لا مدخلية لها في تقوّم شيء من الافراد غير منجّح (صحيح - ن)، ولا تقبله الطبائع السليمة، كيف والسبب الاتفاقي لا يكون دائمياً ولا أكثرياً، فلا بد أن يكون علة خلود المؤمن في الجنة، وعلة خلود الكافر في النار، أمراً داخلاً في تجوهر العبد وحقيقته وذاته، بل الحق الحقيق بالتصديق، إن الإنسان بحسب النشأة الأخروية أنواع مختلفة حسب اختلاف الأخلاق والملكات الراسخة في باطنه، وستظهر في القيامة بصورها المناسبة لمعانيها المتخالفة الحقائق.

وممن تفطن بهذا المطلب المنكشف بنور القرآن، واحد من الفلاسفة المعروف بفرفوريوس، القائل باتحاد العاقل والمعقول، لكن لم يبلغ نظره إلى مرتبة البالغين من رجال هذا الدين المتين، الذي هو صراط السالكين إلى عالم الحق واليقين، فالله سبحانه رفع نقاب الاختفاء، وكشف غطاء الامتراء عن المحجة البيضاء، وبيّن ها هنا نفي المماثلة بين المؤمن والكافر في الذات والحقيقة، وسلب المساواة بين العارف والمنكر في درجة الماهية، كما في قوله تعالى:

السابقالتالي
2