الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير صدر المتألهين/ صدر المتألهين الشيرازي (ت 1059 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّآ أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }

أي لا تعلم نفس من النفوس - لا مَلَك مُقَرّب ولا نبي مرسل - ما ادّخر الله لأولئك الموصوفين بالأوصاف المذكورة وأخفاه لهم عن جميع خلائقه، لا يعلمه إلاَّ هو مما يقرّ بِهِ عيونهم من جمال الذات ولقاء نور الأنوار، فيجدون من اللذة والسرور ما لا يبلغ كنهه ولا يمكن وصفه، كما في الحديث الرباني: " أعددت لعبادي الصالحين مَا لاَ عَيْنٌ رأت ولا أذُنٌ سمعت ولا خَطَرَ على قلب بشر " ، جزاءاً بما كانوا يعملون من الأعمال القلبية والتأملات القدسية، المستلزمة للأعمال البدنية على وفق أحكام التجليات وشروق الإفاضات.

إشراق فرقاني

إعلم أن أسعد الخلق في الآخرة أقواهم حباً لله، وأشدهم شوقاً للقائه، فإن معنى الآخرة القدوم على الله ودرك سعادة لقائه، وما أعظم نعيم المحب المستهتر إذا قدم على محبوبه بعد طول شوقه، وتمكن من دوام مشاهدته أبد الآباد من غير مزاحم ومكدر ومنغص ورقيب وخوف الانقطاع، إلاَّ أن هذا النعيم على قدر الحب واستيلائه وشدته، وان لم ينفك عن أصل المحبة مؤمن، كما لا ينفك عباده عن أصل المعرفة، وإلاَّ لم يكن المؤمن مؤمناً - هذا خلف -.

وإنما يحصل ذلك بشيئين:

أحدهما: قطع العلائق وإخراج حب الدنيا وما فيها من القلب، فبقدر ما يشغل القلب بغير الله، ينقص منه حب الله، ويفرغ إناء قلبه عن ذكر الله بقدر اشتغاله بغيره، لأن قلب كل أحد واحد:مَّا جَعَلَ ٱللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ } [الأحزاب:4]. والكفر؛ عبارة عن امتلاء القلب بمحبة الباطل، وكل ما سوى الله باطل دون وجهه الكريم، والمحب التام المحبة لله، ومن امتلأ قلبه من محبته، وإليه الإشارة بقولهقُلِ ٱللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ } [الأنعام:91]، بل هو معنى قول:لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ ٱللَّهُ } [الصافات:35] على التحقيق، أي لا معبود ولا محبوب سواه، ولذلك قال:أَفَرَأَيْتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَـٰهَهُ هَوَاهُ } [الجاثية:23]، وفي الحديث عنه (صلّى الله عليه وآله وسلم): " أبغضُ الهٍ عُبِدَ في الأرض الهوى " ، ولذلك قال النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم): " من قال لا إله إلاَّ الله مخلصاً وجبت له الجنة " ، ومعنى الإخلاص: أن يخلص قلبه لله، فلا يبقى فيه شركة لغير الله، ومَن هذا حاله فالدنيا سجنه، لأنها مانعة له عن مشاهدة محبوبه، وموته خلاصه من السجن وقدومه على محبوبه.

والسبب الثاني لقوة المحبة، قوة المعرفة لله تعالى واتساعها واستيلاؤها على القلب، وذلك بعد تظهيره من الشواغل، وهي بمنزلة وضع البذر في الأرض بعد تطهيرها من الحشيش، فيتولد من هذا البذر شجرة المحبة والمعرفة، وهي الكلمة الطيبة التي ضرب الله لها مثلاً في قوله:أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي ٱلسَّمَآءِ }

السابقالتالي
2 3 4 5 6