الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير صدر المتألهين/ صدر المتألهين الشيرازي (ت 1059 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ ٱلْمَوْتِ ٱلَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ }

" التوفّي " و " الاستيفاء " بمعنى واحد، فالمتوفي للنفوس والأرواح هو المخرج لها كلها من الأبدان، بحيث لا يترك منها شيئاً، من قولك: " توفيت حقي من فلان " " واستوفيته " إذا أخذته وافياً كاملاً من غير نقصان.

وفي الكشّاف، نقلا عن مجاهد: " حُوِيَت لملك الموت الأرض وجعلت له مثل الطست، يتناول منها حيث يشاء " ، وهذا تمثيل لتصرفه في جذب الأرواح إلى الله تعالى من أصول الأشباح، كجذب الثمار بالقوة النامية من أسافل الشجر إلى أعاليها، وقريب منه ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: جُعِلَت الدنيا بين يدي ملك الموت مثل جام يأخذ منها ما شاء الله إذا قضى عليه الموت من غير عناء، خطوته ما بين المشرق والمغرب.

وقيل: ملك الموت يدعو الأرواح فتجيبه، ثم يأمر أعوانه بقبضها.

وعن قتادة: يتوفاهم ملك الموت ومعه أعوان كثيرة من ملائكة الرحمة وملائكة العذاب.

ووجه ذلك: ان نزع الصورة الشريفة من مادة غير لائقة، وقبض الروح من بدن إلى عالم آخر أعلى رتبة منه، رحمة بالقياس إلى الصورة المنتقلة، وعذاب بالقياس إلى المادة المنتقلة هي عنها، فالملائكة النقّالة والقوى الفعّالة موكلة من عند الله لايصال الرحمة إلى مستحقيها، والطبائع المنفعلة والقوى الحافظة لصورة المادة السفلية المفارقة عن الأرواح العالية، هي من سدنة العالم الأدنى، وهي المسماة بملائكة العذاب، وإن كانت في فعلها رحمة ومصلحة بوجه آخر.

فعلى هذا المراد بملك الموت الجنس كما ذهب إليه جمع، ويدل عليه قوله:تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا } [الأنعام:61]. ونسبة القبض والتوفي إلى ملك الموت وأعوانه من قبيل نسبة الفعل إلى الآلة، لئلا ينافي قوله تعالى:ٱللَّهُ يَتَوَفَّى ٱلأَنفُسَ حِينَ مِوْتِـهَا } [الزمر:42]، ويلائم ذلك قوله تعالى: { ٱلَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ } ، إذ التوكيل تفويض الأمر إلى غيره للقيام به، وليس ها هنا تفويض محض، ولا جبر محض، بل أمر بين أمرين أي وكل ملك الموت بقبض أرواحكم أجمعين، أو واحداً واحداً حتى لا يبقى أحد منكم.

ثم إلى ربكم تُرجعون بجذبة " ارجعي " ، وإن كان الواصل إلى حضرته هم النفوس المطمئنة، فاختص هذا الخطاب بهم في قوله تعالى:يٰأَيَّتُهَا ٱلنَّفْسُ ٱلْمُطْمَئِنَّةُ * ٱرْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً } [الفجر:27 - 28]، والباقون يُحشرون إلى جزاء ربهم من الثواب والعقاب.

وروى عكرمة عن ابن عباس قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): " الأمراض والأوجاع كلها بريد الموت ورسل الموت، فإذا حان الأجل أتى ملك الموت بنفسه، فقال: يا أيها العبد، كم خبر بعد خبر؟ وكم رسول بعد رسول؟ وكم بريد بعد بريد؟ أنا الخبر الذي ليس بعدي خبر، وأنا الرسول. أجب ربك طائعاً ومكرهاً.

فإذا قبض روحه وتصارخوا عليه، قال: على من تصرخون وعلى من تبكون؟ فوالله ما ظلمت له أجلاً، ولا أكلت له رزقا، بل دعاه ربه، فليبكِ الباكي على نفسه، فإن لي فيكم عودات وعودات حتى لا أبقي منكم أحداً ".


السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10