الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير صدر المتألهين/ صدر المتألهين الشيرازي (ت 1059 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالُوۤاْ أَءِذَا ضَلَلْنَا فِي ٱلأَرْضِ أَءِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُم بِلَقَآءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ }

قالوا - أي منكرو البعث والحشر، وقيل: القائل أُبَيّ بن خلف ولرضاهم بقوله أسند إليهم جميعاً.

أإذا ضللنا في الأرض، أي غبنا فيها وصرنا تراباً محضاً، أو ذهبنا مختلطين بتراب الأرض لا نتميز منه كما يضلّ الماء في اللبن، فإن كل شيء غلب عليه غيره حتى يغيب فيه فقد ضل، وقيل معناه: غبنا في الأرض بالدفن فيها، من قول الشاعر:
وآبَ مضلّوه بعين جَلية   وغودر في الجُولان حزم ونائل
وعن قتادة ومجاهد: إن معنى " ضللنا ": " هلكنا ".

وروي عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، " ضللِنا " - بكسر اللاّم - يقال: ضل يضِل وضل يضَل.

وقرأ الحسن: " صللنا " من: صلّ اللحم وأصلّ إذا أنْتَن، وربما يقال في معناه: صرنا من جنس " الصلة " وهي الأرض.

{ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ }؛ استفهام إنكاري لغاية كونه مستبعداً، بل مستحيلاً عندهم، أي أنحن أحياء مبعوثون بعد الفساد والاضمحلال؟ فالظرف في: { أَإِذَا ضَلَلْنَا } متعلق بما يدل عليه { أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ } من نُحيا أو نُبعث أو نخلق مجددين.

{ بَلْ هُم بِلَقَآءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ }: أي إنكارهم للوعد والوعيد والثواب والعقاب وكفرهم بجميع ذلك، إنما نشأ من كفرهم بلقاء ربهم وجحودهم لبعثة الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلم)، وتكذيبهم لأصل النبوة، وإلاّ فبعد تصحيح أصل التوحيد والرسالة، لم يبق لإنكار ما يخبر به المخبر الصادق مجال، نعم ينبغي أن يزال ظاهره عن الاستحالة والامتناع، وهو كذلك كما يظهر عند التأمل.

هذا ما سنح لهذا العبد، وظني أنه أوْلىٰ مما ذكر في الكشّاف بعد ما جعل معنى: " لقاء ربهم " الوصول إلى العاقبة، أي تَلَقّي ملك الموت وما وراءه، وهو أنه لما ذكرهم كفرههم بالإنشاء، أضرب عنه إلى ما هو أبلغ في الكفر، وهو أنهم كافرون بجميع ما يكون في العاقبة لا بالإنشاء وحده، ألا ترى كيف خوطبوا بتوفي ملك الموت وبالرجوع إلى ربهم بعد ذلك بمعوثين للحساب والجزاء.

حكمة قرآنية

إعلم أن عِلم المعاد من أعظم أمّهات الإيمان وأصوله، وأشرف الحكمة المتعالية وفصولها، قلّ من الحكماء من لم يزلّ قدمه في سلوك طريقه. ونَدَرَ من العلماء من بلغ فهمه إلى درك تحقيقه، وخاض في لجّة بحر تعميقه، فالناس في الاعتقاد بهذه المسألة بين مقلّد محض وجاحد صرف، كم من مجتهد في سائر المسائل إذا وصل هاهنا حمل قلادة التقليد على عنقه طاعةً للشرع المبين، وكم من باحث يسلّم سائر المقدمات الإيمانية ويقبل بفهمه جلّ الأصول الاعتقادية، متى استعرضت هذه المسألة على طبعه الوقّاد جحد وأنكر ونهج طريق الغواية، وانحرف عن جادة الحق واليقين.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9