الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير صدر المتألهين/ صدر المتألهين الشيرازي (ت 1059 هـ) مصنف و مدقق


{ يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } * { يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ ٱللَّهُ دِينَهُمُ ٱلْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْحَقُّ ٱلْمُبِينُ } * { ٱلْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَٱلْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَٱلطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَٱلطَّيِّبُونَ لِلْطَّيِّبَاتِ أُوْلَـٰئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ } * { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّىٰ تَسْتَأْنِسُواْ وَتُسَلِّمُواْ عَلَىٰ أَهْلِهَا ذٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } * { فَإِن لَّمْ تَجِدُواْ فِيهَآ أَحَداً فَلاَ تَدْخُلُوهَا حَتَّىٰ يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِن قِيلَ لَكُمْ ٱرْجِعُواْ فَٱرْجِعُواْ هُوَ أَزْكَىٰ لَكُمْ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ } * { لَّيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَّكُمْ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ } * { قُلْ لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُواْ فُرُوجَهُمْ ذٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ } * { وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَآئِهِنَّ أَوْ آبَآءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَآئِهِنَّ أَوْ أَبْنَآءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِيۤ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَآئِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ ٱلتَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي ٱلإِرْبَةِ مِنَ ٱلرِّجَالِ أَوِ ٱلطِّفْلِ ٱلَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُواْ عَلَىٰ عَوْرَاتِ ٱلنِّسَآءِ وَلاَ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَ ٱلْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } * { وَأَنْكِحُواْ ٱلأَيَامَىٰ مِنْكُمْ وَٱلصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمائِكُمْ إِن يَكُونُواْ فُقَرَآءَ يُغْنِهِمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَٱللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } * { وَلْيَسْتَعْفِفِ ٱلَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّىٰ يُغْنِيَهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَٱلَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً وَآتُوهُمْ مِّن مَّالِ ٱللَّهِ ٱلَّذِيۤ آتَاكُمْ وَلاَ تُكْرِهُواْ فَتَيَاتِكُمْ عَلَى ٱلْبِغَآءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِّتَبْتَغُواْ عَرَضَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَمَن يُكْرِههُنَّ فَإِنَّ ٱللَّهَ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { وَلَقَدْ أَنْزَلْنَآ إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُّبَيِّنَاتٍ وَمَثَلاً مِّنَ ٱلَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ } * { ٱللَّهُ نُورُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ ٱلْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ ٱلزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لاَّ شَرْقِيَّةٍ وَلاَ غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيۤءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَىٰ نُورٍ يَهْدِي ٱللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَآءُ وَيَضْرِبُ ٱللَّهُ ٱلأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلَيِمٌ }

تمهيد

الإشارة في تحقيق هذه الآية يتمهد بأن لفظ " النور " ليس موضوعاً - كما فهمه المحجوبون من علماء اللسان وأصحاب الكلام - للعرض الذي يقوم بالأجسام، وهو الذي عرفوه بأنه " لا بقاء له زمانين " وهو من الحوادث الناقصة الوجود، بل هذا النور أحد أسماء الله تعالى، وهو منوِّر الأنوار، ومحقق الحقائق، ومظهر الهويَّات، وموجد الماهيات.

ومطلق " النّور " يحمل عند الجمهور على معاني كثيرة، بعضها بالاشتراك وبعضها بالحقيقة والمجاز، كنور الشمس، ونور القمر، ونور السراج، ونور العقل، ونور الإيمان، ونور التقوى، ونور الياقوت، ونور الذهب، ونور الفيروزج.

وأما عند الإشراقيين ومن تبعهم - كالشيخ المقتول شهاب الدين، الكاشف لرموزهم، والمخرج لكنوزهم، والمدون لعلومهم، والمبين لفهومهم، والمبرز لمقاماتهم، والشارح لإشاراتهم - فهو حقيقة بسيطة ظاهرة لذاتها مظهرة لغيرها، فعلى هذا يجب أن لا يكون لها جنس ولا فصل، لعدم تركبها من الأجزاء، فلا لها معرِّف حَدِّي، ولا لها كاشف رسمي، لعدم خفائها في نفسها، بل هي أظهر الأشياء، لكونها تقابل الظلمة والخفاء - تقابل السلب والإيجاب - فلا برهان عليه، بل هو البرهان على كل شيء.

لكن الخفاء والحجاب إنما يطرءان بحسب المراتب، كمرتبة النّور القيُّومي، لغاية ظهورها وبروزها، فإن شدة الظهور وغلبة التجلي ربما صارتا منشأي الخفاء للمتجلي لفرط الظهور، وعلى المتجلّي له لغاية القصور، كما يشاهد من حال عيون الخفافيش عند تجلي النور الشديد الحسي الشمسي على أحداقها، فإذا كان الحال هكذا في النور المحسوس، فما ظنك بالنور العقلي البالغ حدّ النهاية في الشدة والقوة.

وكان النور عند أكابر الصوفية أيضاً عبارة عن هذا المعنى - كما يستفاد من مصنّفاتهم ومرموزاتهم - إلاَّ أنّ الفرق بين مذهبهم ومذهب الحكماء الإشراقيين أنَّ النور وإن كان عند أولئك الأكابر حقيقة بسيطة، إلاَّ أنها مما يعرض لها بحسب ذاتها التفاوت بالشدة والضعف، والتعدد والكثرة بحسب الهيآت والتشخصات، والاختلاف بالواجبية والممكنية، والجوهرية والعرضيّة، والغنى والافتقار.

وأمّا عند هؤلاء الأعلام من الكرام، فلا يعرض لها في حدّ ذاتها هذه الأحكام، بل بحسب تجلِّياتها، وتعيناتها، وشؤوناتها، واعتباراتها، فالحقيقة واحدة، والتعدد إنَّما يعرض بحسب اختلاف المظاهر، والمرائي، والقوابل، ولا يبعد أن يكون الاختلاف بين المذهبين راجعاً إلى التفاوت في الاصطلاحات وأنحاء الإشارات، والتفنن في التصريح والتعريض منهم، والإجمال والتفصيل مع الاتفاق بينهم في الدعائم والأصول.

وما ذكره الشيخ محمد الغزالي في مشكاة الأنوار موافق أيضاً لقول أئمة الحكمة وهو قوله: " النور عبارة عمّا به تظهر الأشياء ".

تذكرة تفصيلية

إنَّ لقوله تعالى: { ٱللَّهُ نُورُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ } وجوهاً كثيراً من المعاني:

الأول: ما ذكره أكثر مفسري الإسلام وعلماء العربية والكلام - ومستندهم قراءة أمير المؤمنين (عليه السلام) حيث يروى أنّه قرأ { ٱللَّهُ نُورُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ } - بصيغة الماضي - يعني: ذو نور السماوات وصاحب نور السموات - على مجاز الحذف، أو الحقُّ نورهما على سبيل التشبيه.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد