الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير صدر المتألهين/ صدر المتألهين الشيرازي (ت 1059 هـ) مصنف و مدقق


{ يُخَادِعُونَ ٱللَّهَ وَٱلَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ }

إن للمنافقين قبائح كثيرة من رذائل القلب وخبائث النفس، ذكَر الله أربعة منها في هذه الآيات: أحدها: ما ذكَره في هذه الآية وهي المخادعة مع الله والمؤمنين.

والخَدْعُ: أن توهِمَ غيرَك خلافَ ما تُخفيه في نفسك من المكروه، لتصرِفه عمّا هو بصدده من قولهم: خدع الضبُّ: إذا توارى في جُحره وضبٌّ خادعٌ وخدع إذا أوهم الحارس إقباله عليه ثمّ خرج من باب آخر.

وأصله الإخفاء. ومنه المخدَع: للخزانة. والأخدعان: لعرقين خفيّين في العنق. فهو ضرب من النفاق والغرور والرياء في الأفعال الحسنة. وكلّ ذلك بخلاف ما يقتضيه دين الله وطريقه، لأنّ الدين يوجب الاستقامةَ والعدولَ عن الغُرور والتدليس والمكر والإساءة، كما يوجب الاخلاص:أَلاَ لِلَّهِ ٱلدِّينُ ٱلْخَالِصُ } [الزمر:3].

وأما أنّهم كيف خادَعوا الله ولا تخفى عنه خافيةٌ، وكيف خادعَهم الله، والمؤمنون - كما تقتضيه صيغة المفاعلة - والخدعة صفةٌ مذمومةٌ؟ فالمراد من الأول أحد أمور خمسة:

أولها: أن يكون ذلك على معتقَدهم وظنِّهم أنّ الله ممَّن يرضى عنهم بصورة الأعمال الصادرة عنهم سُمعة ورياءً، مع أن القصد منهم بما لم يكن إلا أغراض النفس والهوى، ومحبة الجاه والثروة ومتاع الدنيا؛ وذلك لاغترارهم وجهلهم بأن الناقد بصير، والطريق اليه خطيرٌ، والبضاعة معيبة مموّهة، ولا يُقْبَل عند الله إلاّ العمل الخالص، وكيف، ومن كان ادعاؤه الإيمان بالله واليوم الآخر نفاقاً، لم يكن قد عرف الحقّ وصفاته، وأن له تعلّقاً بكل معلومٍ، وله غِنىً عن كلّ ما سواه. فلم يبعد عن مثله تجويز أن يكون الله في زعمه مخدوعاً من وجه خفي، وربما يوجد في الناس - بل في أكثر الأكياس منهم - مَن كان هذا شأنهم مع الله، وقد شاهَدناهم وصحبناهم كثيراً.

وثانيها أن يقال: صورة صنيعهم مع الله - حيث يتظاهرون بالإيمان ويستبطنون الكفر - صورة صنيع الخادعين.

وثالثها: أنّ المراد مِن " يخادعون الله " ، المخادعة مع رسول الله، إمّا على حذف المضاف، أو على أن معاملة الرسول معاملة الله من حيث إنّه خليفته في أرضه، والناطق عنه بأوامره ونواهيه مع عباده، وهو مع ذلك خارجٌ عن مقام بشريّته، ذاهبٌ الى الله وملكوته، واصلٌ بكلّيته في بحبوحة قُربه ومطالعة جماله وجلاله، مستغرقٌ في شهود إلٰهيته، كما قال تعالىمَّنْ يُطِعِ ٱلرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ ٱللَّهَ } [النساء:80]. وقوله:إِنَّ ٱلَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ ٱللَّهَ } [الفتح:10]. وقال (صلّى الله عليه وآله): " مَن رآني فقد رأى الحقّ " وفي الحديث القدسي: " من بارزَ وليّاً فقد بارزني. ومن عاداه فقد عادني ".

ورابعها: ما ذكرَه صاحب الكشاف، وهو أن يكون من قبيل قولهم: " أعجبني زيدٌ وكرمه " فيكون المعنى: يخادعون الذين آمنوا بالله، وفائدة هذه الطريقة، قوّة الاختصاص.

السابقالتالي
2 3 4