الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير صدر المتألهين/ صدر المتألهين الشيرازي (ت 1059 هـ) مصنف و مدقق


{ خَتَمَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهمْ وَعَلَىٰ سَمْعِهِمْ وَعَلَىٰ أَبْصَٰرِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ }

لمّا وصفَ الله تعالى الكفارَ بأخصّ صفاتهم التي كانوا عليها، وهو عدم تأثّرهم عند الانذار والنصيحة، والتهذيب والتعليم للإيمان، بيّن في هذه الآية السبب الذي لأجله لا ينجع فيهم الانذار ولا يؤثّر فيهم التعليم، وهو الختْم على القلوب، للقساوة والفظاظة الأصليّة، والغشاوة على الأسماع والأبصار، للصمم والبكْم الفطريّة. وأنت تعلم أنّ نظام الدنيا لا ينصلح إلاّ بنفوس غليظة، وقلوبٍ قاسية، وطبائع جاسية.

فلو كان الناس كلّهم سعداء بنفوسٍ خائفة من عذاب الله، وقلوبٍ خاشعة خاضعة لآياته، وطبائع لطيفة منفعلة، لاختلَّ النظام بعدم القائمين بعمارة هذه الدار من النفوس الغلاظ الشداد، كالفراعنة والدجاجلة، والنفوس المكّارة كشياطين الانس، والنفوس البهيمية كجهَلة الكفّار.

وفي الحديث الرّباني: إنّي جعلتُ معصيةَ آدم سبباً لعمارة العالَم، وقال سبحانه:وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَـٰكِنْ حَقَّ ٱلْقَوْلُ مِنِّي لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ أَجْمَعِينَ } [السجدة:13].

فكون الناس على طبقةٍ واحدةٍ، ينافي الحكمة والعناية، وهو إهمال سائر الطبقات الممكنة الوجود في مَكمن الإمكان، من غير أن تخرج من القوّة الى الفعل، وخلوّ أكثر مراتب هذا العالَم عن أربابها، فلا يتمشّى النظام، ولا تنصلح العمارة إلاّ بوجود الأمور الخسيسة والنفوس الدنيّة المحتاج اليها هذه الدار، التي يقوم بها أهل الظلمة والحجاب ويتنعّم بها أهل الذلّة والقسوة وسائر الأنعام والدوابّ، المبعدين عن دار الكرامة والنور، المطرودين عن عالَم المحبّة والسرور.

فوجبَ في العناية الأولى والحكمةِ الكبرى، التفاوت في الاستعدادات لمراتب الدرجات، في الشرف والخسّة، والصفاء والكدورة، والعلوّ والدناءة.

وثبت بموجب القضاء اللازم النافذ في القدَر المتحتّم، الحكمُ بوجود السعداء والأشقياء جميعاً، والمؤمنين والكفار والمنافقين كُلاً.

قال بعض المكاشفين: يدخل أهل الدارين؛ السعداء بفضل الله في دارهم، وأهل النار بعدل الله فيها، وينزلون فيهما بالأعمال، ويخلّدون فيهما بالنيّات. وفي المقام أسرار أخرى تركناها الى مقام آخر.

تبصرة

[الختم وقول الأشاعرة فيه]

الخَتْم والكَتْم؛ أَخَوان لأن في الاستيثاق من الشيء بضرب الخاتَم عليه كَتْماً له، والغِشاوة: الغطاء فِعالة من غَشّاه إذا غطّاه. وهذا البناء لِما يشتملُ على الشيء كالعِصابة والعِمامة.

واختلف الناس في هذا الختْم، أما القائلون بالقضاء والقدَر في الكل، فهو من فعل الله من جهة خصوصيّة بعض القوابل المتخالفة الطبائع والصور كما مرّ، ولهم قولان:

منهم من قال: إنّ الختْم هو خلْق الكفْر في قلوب الكفّار، ومنهم من قال: خلْق الداعية التي إذا انضمّت الى القدرة، صار مجموعُ القدرةِ معها سبباً لوقوع الكفر.

والحقّ، أنّ الختم موجودٌ لبعض الكفّار لا للجميع، وهو بمنزلة طبيعة جبليّة لذلك البعض، مستحيل الانفكاك عنه، وتقريره: أنّ الذي يحصل منه الكفر، إمّا أن لا يكون قادراً على تركه، أم يكون.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد