الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير صدر المتألهين/ صدر المتألهين الشيرازي (ت 1059 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ ٱلَّذِينَ ٱعْتَدَواْ مِنْكُمْ فِي ٱلسَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ }

{ ٱعْتَدَواْ } أي ظلَموا وجاوزوا ما حدَّ لهم.

و { ٱلسَّبْتِ } من أيام الأسبوع. قال الزجّاج: السبْت قطعة من الدهر يسمّى به ذلك اليوم. وقال أبو عبيدة: سمّي بذلك لأنّه يوم سُبِت به خلْق كلّ شيء، أي قُطِع وقُرغ. وقال قوم: إنّما سمّي بذلك لأنّ اليهود يسبتون فيه، أي: يقطعون فيه الأعمال. وقال آخرون: سمّي بذلك لما لهم فيه من الراحة. لأنّ أصل السبْت هو السكون والراحة. ومنه قوله تعالى:وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتاً } [النبأ:9]. ويقال للنائم " مسبوت " لاستراحته وسكون جسده.

والخاسئ: البعيد المطرود: يقال للكلب إذا دنا: " إخسَأ " أي: تباعَد، وانصرفْ صاغراً.

والكلام فيه حذف مضاف، كأنّه قال: " ولقد علمتم اعتداء مَن اعتدوا في السَّبت " ليكون المذكور من العقوبة جزاء لاعتدائهم، لأنّ الجزاء يكون للفعل لا للذّات.

وحقيقة الاعتداء غير مذكورة هاهنا. والذي يدلّ عليه اللفظ هاهنا أنّه كان أمراً محرّماً فعلُه في السبت. وتفصيله مذكور في قوله تعالى:وَسْئَلْهُمْ عَنِ ٱلْقَرْيَةِ ٱلَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ ٱلْبَحْرِ } [الأعراف:163]. الآية.

وعن ابن عبّاس: إنّ هؤلاء القوم كانوا في زمن داود (عليه السلام) بـ " إيلة " على ساحل البحر بين المدينة والشام، وهو مكان من البحر يجتمع إليه الحيتان من كلّ أرض في شهر من السَّنة، حتّى لا يرى الماء لكثرتها، وفي ذلك الشهر في كلّ سبْت خاصّة. فحفَروا حياضاً عند البحر، وشرعوا إليها الجدوال، فكانت الحيتان تدخلها فيصطادونها يوم الأحد، فذلك الحبس في الحياض هو اعتداؤهم في السبْت، ثمّ إنّهم أخذوا السمَك واستغنوا بذلك، وهم خائفون من العقوبة، فلمّا طال العهد عليهم ونشأت الأبناء فعلت بسُنَّة الآباء واتّخذوا الأموال، فمشى إليهم طوائف من أهل المدينة الذين كرهوا الصيد في السبت، ونهوهم فلم ينتهوا وقالوا: " نحن في هذا العمل منذ زمان، فما زادنا إلاّ خيراً " فقيل لهم: " لا تغترّوا فربما نزَل بكم العذاب والهلاك " فأصبح القوم وهم قِردة خاسئون، فمكثوا كذلك ثلاثة أيّام ثمّ هلكوا.

وعن ابن عبّاس أيضاً: وكانوا يتعاوون وبقَوا ثلاثة أيام لم يأكلوا، ولم يشربوا، ولم يتناسلوا، فأهلكَهم الله تعالى، وجاءت ريح فهبَّت بهم، وألقتهم في الماء، ولم يتناسلوا وما مسخ الله أُمّة إلاّ أهلكها.

فهذه القِردة ليست من نسل أولئك الممسوخين. وإجماع المسلمين على أنّه ليس في القِردة والخنازير من هو من أولاد آدم، ولو كانت من أولاد الممسوخين لكانت من بني آدم. خلافاً لأهل التناسخ. فإنّهم زعَموا أنّ من الحيوانات كالكلب، والخنزير، والقِردة، ما هو من أولاد الناس الممسوخين.

ومنهم من زعَم أنّ جميع الحيوانات نشأت من الإنسان. قالوا: إنّه باب الأبواب. كل نفس تعلَّقت أوّلاً ببدن إنسان، فإن استكملت بالعلم والعمل تجرّدت إلى عالَم الملكوت.

السابقالتالي
2 3 4