الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير صدر المتألهين/ صدر المتألهين الشيرازي (ت 1059 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ ٱلطُّورَ خُذُواْ مَآ ءَاتَيْنَٰكُم بِقُوَّةٍ وَٱذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }

" المِيثاق " مفعال من الوثيقة إمّا بيمين أو بعهد أو غير ذلك من الوثائق كالعقل والفطرة.

و " الطُّور " في اللُّغة: الجَبل. وقيل: اسم جبَل بعينه ناجى الله عليه موسى (عليه السلام). وهو المرويُّ عن ابن عباس. وهذا هو الأقرب، لأنّ لام التعريف حمله على معهود عرف كونه مسمّى بهذا الاسم. والمعهود هو الجبل الذي وقعت المناجاةُ فوقَه، فقد يجوز أن ينقله الله إلى حيث هم، فجعله فوقَهم وإن كان بعيداً منهم، لأنّ القادر على أن يجعل الجبل فوق الهواء قادر على قلْعِه ونقلِه من موضع بعيد إليهم. وسيجيء إعادة الكلام في تحقيق هذا المرام.

وقال ابن عباس: أمَر الله جبلاً من جبال فلسطين، فانقلَع من أصلِه حتّى قام فوقَهم كالظُّلَّة، وكان المعسكر فرسخاً في فرسخ.

والقُوّة هاهنا بمعنى القدرة. وهي في الأصل يقال لمبدإ التغيُّر في شيء آخر من حيث هو آخر. سواء كان فعلاً أو انفعالاً. وقد يقال لما به يمكن أن يصدر عن الشيء فعل أو انفعال وأن لا يصدر. وهي بهذا المعنى يقابل الفعل بمعنى الحصول والتحقّق. وقد يقال لما به يكون الشيء غير متأثّر عن مقاوم، ويقابله الضعف والوهْن. والقوّة الفعليّة إذا كانت مع شعور وإرادة تسمّى قدرة، وهي المراد هنا.

واعلم أنَّ أكثر المتكلّمين على أنّه ليست قدرة إلاّ لما من شأنه الطرفين: الفعْل والترْك. وأمّا الفاعل الذي يَدوم فعْله - وإن كان بمشيئته - فهم لا يسمّونه قادراً والحقّ خلافه. فإنّ من فعَل بمشيئة وإرادة يصدق عليه أنّه لو لم يشأ لم يفعل، سواء اتّفق عدم المشيئة، أو لم يتّفق. لأنّ صدق الشرطيّة لا يتوقّف على تحقّق طرفيها.

واعلم أنّ القوّة الفعلية قد تكون مبدأ الوجود، وقد تكون مبدأ التغيّر، والإلهيون من الحكماء إنّما يعنون بالفاعل مبدأ الوجود، والطبيعيّون يعنون به مبدأ التحريك. والأحقّ باسم الفاعل مَن يطرد العدم بالكليّة عن الشيء بالكليّة، وما هو إلاّ الواحد الذي بقوّته أخرَج الأشياء من اللَّيس المطلق إلى الأيس. وأبدع الأشياء من غير مِثال. وأمّا الذي جعله الله واسطة للتهيُّؤات والاستعدادات، فالأولى أن لا يسمّى بالفاعل، لكن بالمحرّك والسائق وما يجري مجراهما.

المعنى:

ثمّ عاد إلى خطاب بني إسرائيل بذكر إنعامه عليهم. وهذا هو الإنعام العاشر من الإنعامات الواقعة عليهم. فقال: اذكروا { إِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ } أي: عهدكم.

والمفسّرون اختلفوا في المراد من هذا الميثاق ما هو؟ فذكروا وجوهاً:

الأول: ما أُودع في العقول وارتكز في الفِطَر من الدلائل على وجود الصانع، وقدرته، وحكمته، وما نصَب لهم من الحُجج الواضحة، والبراهين الساطعة على ذلك وعلى صدْق الأنبياء والرسل (عليهم السلام).

السابقالتالي
2 3 4