الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير صدر المتألهين/ صدر المتألهين الشيرازي (ت 1059 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ ءَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ }

" إنّ " من الحروف، والحروفُ بما هي حروفٌ، لا أصل لها في العلم، إلاّ انَّ " إنَّ " وأخواتها لمّا شابهت الفعلَ - في عدد بسائطها، وبنائها على الفتح، ولزوم الأسماء، وإعطاء معانيه وخصوصاً المتعدّي في دخولها على اسمين - عملت عملَه الفرعي، وهو نصب الجزء الأول ورفع الثاني ايذاناً بأنّه فرعٌ في العمل دخيل فيه. ومعناها؛ تأكيد النسبة وتحقيقها، ولذلك يتلقّى بها القسم، وتصدّر بها الأجوبة، وتذكر في معرض الشكّ.

روى الأنباري: انّ الكندي المتفلسِف ركب الى المبرّد وقال: إنّي أجد في كلام العرب حشواً؛ أجد العربيَّ يقول: عبدُ الله قائم، ثمّ يقول: إنّ عبد الله قائمٌ، ثمّ يقول؛ إنّ عبد الله لقائم، فقال المبرّد: بل المعاني مختلفة لاختلاف الألفاظ.

ففي الأول: إخبارٌ عن قيامه، وفي الثاني: جوابٌ عن سؤال سائل، وفي الثالث: جوابٌ عن إنكار منكرٍ لقيامه.

وتعريف الموصول إمّا للعهد، إذا كان إشارة الى جماعة معيّنة كأبي جهل وأبي لهب والوليد بن مغيرة وأحبار اليهود، أو للجنس، إذا أُريد به المتناول للمصمّمين على الكفر وغيرهم، فخصّ عنهم غير المصرّين بما اسند إليه.

والكُفْر في اللغة: إخفاء حقّ النعمة. وهو منقولٌ لغويٌ عن الكَفر بالفتح، وهو الستر، ولهذا يقال للزارع: الكافر، وكذا الليل. ولكمام الثمرة: كافور.

وفي عرف الشريعة: إنكار ما عُلم بالضرورة من دين نبيّنا (صلّى الله عليه وآله)، وذلك أنّ كل ما نقل عنه (صلّى الله عليه وآله) انّه ذهب اليه وقال به، فإمّا أن يعرف صحّة ذلك النقل بالضرورة، أو بالاستدلال، أو بخبرٍ الواحد.

أما القِسم الأول - هو الذي علم بالضرورة مجيء الرسول (صلّى الله عليه وآله) به - فمَن صدّقه في جميع ذلك فهو مؤمنٌ، ومن لم يصدّقه في كل ذلك، فإمّا بأن لا يصدّقه في جميعها، أو بأن لا يصدّقه في البعض دون البعض، فذلك هو الكافر، إذا الكفر عدم تصديق الرسول (صلّى الله عليه وآله) في شيء مما علم بالضرورة مجيئُه به.

ومثاله من أنكر وجودَ الصانع، أو كونه عالِماً قادراً مختاراً، أو كونه واحداً منزّهاً عن النقائص والآفات، أو أنكر صحّة نبوّة النبي (صلّى الله عليه وآله)، أو صحة القرآن، أو الشرائع التي علم كونها من دين نبيّنا (صلّى الله عليه وآله) كوجوب الصلاة والزكاة، وحُرمة الزنا والخمر، فهو كافرٌ لإنكاره ضروريّاً من هذا الدين.

فأما الذي يعرف بالدليل انّه من الدين، مثل عينيّة الصفات له تعالى، أو زيادتها، وكونه تعالى جائز الرؤية أم لا، وكون كلام الله قديماً أو محدَثاً، وكونه خالق أفعال العباد أم لا مما لم ينقل بالتواتر القاطع أحدُ طرفَيه، فليس إنكاره ولا الإقرار به داخلاً في ماهية الإيمان، ولا موجباً للكفر.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد