الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير صدر المتألهين/ صدر المتألهين الشيرازي (ت 1059 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ قُلْنَا ٱدْخُلُواْ هَـٰذِهِ ٱلْقَرْيَةَ فَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَٱدْخُلُواْ ٱلْبَابَ سُجَّداً وَقُولُواْ حِطَّةٌ نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَٰيَٰكُمْ وَسَنَزِيدُ ٱلْمُحْسِنِينَ }

هذا هو الإنعام الثامن، فإنّ الآية معطوفة على الآيات المتقدمة المذكورة فيها النّعم المتقدّمة التي آخرها تظليل الغمام عليهم، وإنزال المنّ والسَّلوى. فأردف بنعمة أُخرويّة.

والدخول، والوُلوج، والاقتحام نظائر. إلاّ أنّ الاقتحام دخولٌ على صعوبة.

والقَريَة والبَلدَة، والمَدينة نظائر.

والسُّجود: الانحناء الشديد.

و " حِطَّة " مصدر، كـ " ردة " و " جدة ". وهي خبر مبتدإ محذوف. أي سؤالنا حطّة الذنوب. وأصله النصب بمعنى حطّ عنّا ذنوبنا حطّة، وإنّما رفعت لتعطي معنى الثبات، كقوله تعالى:فَصَبْرٌ جَمِيلٌ } [يوسف:18]. وقيل معناه: أمرنا حطّة. أي: أن نحطّ هذه القرية ونستقرّ فيها.

قال صاحب الكشاف: والأجود أن تكون منصوبة بإضمار فعلها، وينتصب محلّ ذلك المضمر بـ { قُولُوا }.

والغُفران والصَّفْح والعَفو نظائر. والغَفْر في اللغة: الستر. يقال: " غَفَر الله له غفراناً " أي: ستر الله على ذنوبه. والخطيئة والزلّة والمعصية نظائر.

والمحسِن: الفاعل للإحسان، أو للحُسن. يقال: " أحسَن إلى غيره " و " أحسَن في فِعْله ". والفرق بينهما أنّ الأول لا يقال إلاّ في النفع بخلاف الثاني، وحدّ الحسن من طريق الحكمة هو الفعل الذي يدعو إليه العقل. وضدّه القبيح، وهو الفعل الذي يزجر عنه العقل.

فصل

القرية التي أُمروا بدخولها

اختلف المفسّرون في أنّ المراد من هذه القرية أيُّ قرية؟ فالأكثر على أنّها بيت المقدس. ويؤيّده قوله تعالى في موضع آخر:ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ } [المائدة:21]. ولا شكّ أنّ المراد منهما واحد.

وعن ابن عباس وابن زيد أنّها " أريحا " وهي قرية قُرب بيت المقدس، وكان فيها بقايا من قوم عاد، وهم العَمالقة، رأسهم عوج بن عنق.

وقيل: إنّها نفس مصْر.

واعترض على الأوّل بأنّ الفاء في قوله تعالى:فَبَدَّلَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ } [البقرة:59] يقتضي التعقيب، فوجب أن يكون هذا التبديل وقع منهم عقيب هذا الأمْر في حياة موسى (عليه السلام).

والجواب بأنّه ليس في الآية ما يدلّ على أنّ هذا القول من الله وقع على لسان موسى (عليه السلام)، أو على لسان يوشع، وإذا حملنا على لسان يوشع زال الإشكال.

وقوله: { كُلُوا } أمْر إباحة. أي: كلوا منها أنّى شئتم { رَغَداً } أي: موسَّعاً عليكم، مستمتعين بما شئتم من طعام القرية بعد المنّ والسَّلوى.

وأمّا قوله: { وَٱدْخُلُواْ ٱلْبَابَ } فهو أمر تكليف حتم. ومن هاهنا يعلم أنّ قوله: { ٱدْخُلُواْ هَـٰذِهِ ٱلْقَرْيَةَ } أيضاً أمر تكليف لأنّ دخول الباب مشروط به، وما لا يتمّ الواجب إلاّ به فهو واجب. وأيضاً قوله تعالى في المائدة:يَاقَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ } [المائدة:21]. يدلّ على الوجوب. ولا شكّ أنّ المراد من الدخول في الآيتين واحد.

قوله تعالى: { وَٱدْخُلُواْ ٱلْبَابَ سُجَّداً } اختلفوا في الباب على وجوه: فعن ابن العباس، والضّحاك، ومجاهد، وقتادة: أنّه باب يدعى " بابُ حطَّة " من بيت المقدّس.

السابقالتالي
2 3