الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير صدر المتألهين/ صدر المتألهين الشيرازي (ت 1059 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ قُلْتُمْ يَٰمُوسَىٰ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ نَرَى ٱللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ ٱلصَّٰعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ } * { ثُمَّ بَعَثْنَٰكُم مِّن بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }

هذا هو الإنعام السادس عليهم من جهة مكافأتهم على ما قالوا في الدنيا بالصاعقة ثمّ إحيائهم بعد الموت ليتوبوا. ولأهل التفسير في هذه القضيّة قولان:

الأوّل: إنّ هذه القضيّة كانت واقعة بعد أن كلَّف الله عبَدَة العِجل بالقتل.

قال محمد بن إسحاق: لمّا رجع موسى (عليه السلام) من الطور إلى قومه ورأى ما هم فيه من عبادة العِجل وقال لأخيه والسامري ما قال، وحرَق العِجل وألقاه في البحر، اختار من قومه سبعين رجُلاً، فلمّا خرجوا إلى الطور قالوا لموسى (عليه السلام): " سلْ ربَّك حتى يسمعنا كلامَه ". فسأل موسى (عليه السلام) ذلك فأجابه الله إليه، فلمّا دنَا إلى الجبَل وقع عليه عمودٌ من الغمام وتغشّى الجبل كلّه ذلك، ودنا من موسى ذلك الغمام حتّى دخل فيه. فقال للقوم أُدخلوا وعُوا. وكان موسى (عليه السلام) متى كلَّمه ربُّه وقَع على جبهته نور ساطع، لا يستطيع أحد منهم النظر إليه، وسمعوا كلام الله مع موسى (عليه السلام)، يقول له: " إفعل كذا، ولا تفعل كذا " فلما تمّ الكلام انكشف عن موسى (عليه السلام) الغمام الذي دخل فيه فقال القوم بعد ذلك { لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ نَرَى ٱللَّهَ جَهْرَةً } فأخذتهم الصاعقة وماتوا جميعاً وقام موسى (عليه السلام) رافعاً يديه إلى السماء يدعو ويقول: إلهي اخترتُ من بني إسرائيل سبعين رجلاً ليَكونوا شهودي لقبول توبتهم، فأرجعُ إليهم وليس معي واحد، فما الذي يقولون فيَّ؟ فلم يزل مشتغلاً بالدعاء حتى ردّ الله إليهم أرواحهم. فطلب توبة بني إسرائيل من عبادة العِجل. فقال: " لا، إلاّ أن يقتلوا أنفسهم ".

القول الثاني: إنّ هذه الواقعة كانت بعد القتل.

قال السدّي: ولمّا تاب بنو إسرائيل من عبادة العِجل بأن قتَلوا أنفسهم أمَر الله تعالى أن يأتيه موسى (عليه السلام) في ناس من بني إسرائيل يعتذرون إليه من عبادتهم العِجل، فاختار موسى سبعين رجُلاً، فلمّا أتوا الطور قالوا: { لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ نَرَى ٱللَّهَ جَهْرَةً } فأخذتهم الصاعقة وماتوا، فقام موسى (عليه السلام) يبكي ويقول: " يا ربِّ ماذا أقول لبني إسرائيل؟ فإنّي أمرتهم بالقتل ثمّ اخترت من بقيَّتهم هؤلاء، فلمّا رجعت إليهم ولا يكون معي منهم أحد ماذا أقول لهم؟ " فأوحى الله إلى موسى " إنّ هؤلاء السبعين ممّن اتَّخذوا العِجل إلهاً ". فقال موسى:إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ } [الأعراف:55] إلى قوله:إِنَّا هُدْنَـآ إِلَيْكَ } [الأعراف:56]. ثمّ إنّه تعالى أحياهم، فقاموا، ونظَر كلّ واحد منهم إلى الآخر كيف يحييه الله تعالى، قالوا: يا موسى إنّك لا تسأل الله شيئاً إلاّ أعطاك، فادعه ليجعلَنا أنبياء. فدعا موسى (عليه السلام) بذلك.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8