الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير صدر المتألهين/ صدر المتألهين الشيرازي (ت 1059 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَٰعَةٌ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ هُمْ يُنْصَرُونَ }

قرأ أهل مكة والبصرة { لاَ تُقْبَلُ } بالتاء، والباقون بالياء.

لما بيّن سبحانه نعمَه العِظام عليهم أنذَرهم في كُفرانهم بيوم القيامة. واتّقاؤه عبارة عن اتّقاء ما يكون فيه من الشدائد والأهوال، وإلاّ فنفس اليوم لا يتّقى. كيف ولا بد أن يرده أهل الجنة والنار جميعاً، ولكن ليس انتصابُه انتصابَ الظروف، بل انتصاب المفعول به، لأنّ معناه " اتّقوا هذا اليوم واحذَروه " وليس معناه " اتّقوا في هذا اليوم " لأنّ يومَ القيامة لا يؤمَر فيه باتّقاء شيء، بل إنما يؤمَر في غيره باتقائه أو اتّقاء ما يقع فيه.

و " الجَزَاء " عند أهل اللغة المكافأة والمقابلة. يقال: " جزى يجزي جزاء " و " جازاه مجازاة " ومنه الحديث أنّه قال (صلى الله عليه وآله) لأبي بردة في الجَذعة التي أمره أن يُضحي بها: " ولا تجزي عن أحد بعدك " وقال (عليه السلام): " البقَرة تجزي عن سبعةٍ " أي: تقضي وتكفي. فقوله: { لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً } أي لا تقضي عنها شيئاً من الحقوق فيكون مفعولاً به أو شيئاً من الجزاء فيكون نصبه على المصدريّة.

وقرئ: " ولا تُجزئ " من " أجزَأ عنه " إذا أغنى عنه، فعلى هذا لا يكون إلاّ مصدراً بمعنى شيئاً من الإجزاء. وقرأ أبو السرار القنوي " لا تجزي نسْمةٌ عن نسْمة شيئاً ".

وتنكير الجَزاء والجازي والمَجزي عنه للتعميم والاقناط الكلي عن غير الله. والجملة منصوبة المحل صفة لـ " يوماً " والعائد فيها محذوف، تقديره: " لا تجزي فيه نفس " ومنهم من لم يجوّز حذفَ الضمير المجرور، لأنّك لا تقول " هذا رجلٌ قصدتُ " أو " هذه واد سكنتُ " وأنت تريد " إليه " أو " فيها ". فقال: اتُّسع فيه فأُجري مجرى المفعول به، فحذف عنه الجار، ثمّ حذف الضمير كما حُذف في قوله:
فما أدري أغيَّرهم ثناءٌ   وطولُ العهد، أم مالٌ أصابوا؟
و " الشَّفَاعةُ " أن يستوهب أحد لأحد شيئاً أو يطلب له، وهي بمعنى الوسيلة والوصلة، والقربة. وأصلها من " الشَّفْع " الذي هو ضدّ " الوتْر " كأنّ المشفوع كان فرداً، فجعله الشفيع شفْعاً بضمّ نفسه إليه.

والضمير في { وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا } راجعٌ إلى النفس الثانية العاصية أي: لو جاءت بشفاعة شفيع لا يُقبل منها. ويجوز عوده إلى الأولى أي: لو شفّعت لها لم تقبل شفاعتها، كما لا تجزي عنها شيئاً.

و " العَدْل " هاهنا: الفِدية. وقيل: البدل. والفرق بين العَدْل والعِدْل أنَّ العَدْل هو مِثل الشيء من جنسه، والعِدْل هو بدل الشيء.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد