الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير صدر المتألهين/ صدر المتألهين الشيرازي (ت 1059 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَـٰقُواْ رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَٰجِعُونَ }

أي يتوقّعون لقاء الله ونيل ما عنده، ويتيقّنون أنهم يُحشرون إلى الله. فالظنّ هاهنا بمعنى العلْم، كما في قوله تعالى:إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاَقٍ حِسَابِيَهْ } [الحاقة:20]. ويؤيّده أنَّ في مصحَف ابن مسعود " يعلمون " وأنَّ الظنّ هو الاعتقاد الراجح الذي يقارنه تجويز النقيض، وذلك يقتضي أنّ صاحبه غير جازم بيوم القيامة، وذلك كفْر فكيف يمدح الله لهم عليه.

وعلاقة التجوّز أنَّه شابَه العلم في الرجحان، ولتضمين معنى التوقّع.

ومن حمل اللفظ على ظاهره، وجعل ملاقاة الرب مجازاً عن الموت، فإمّا أن يقول: المراد " الذين يظنّون الموت في كلّ لحظة فإنّهم لا يفارق قلوبهم الخشوع فهم يتبادرون إلى التوبة، لأنّ خوف الموت من دواعي التوبة ". وإمّا أن يفسّر " ملاقاة الرب " بملاقاة ثوابه، وذلك مظنون غير معلوم، أو يقول: إنّ المعنى: " يظنّون أنهم ملاقوا بذنوبهم " فإنّ الإنسان الخاشع لا وقْع لطاعاته عنده، فيغلب على ظنّه أنَّه يلقى الله بذنوبه، فعند ذلك يتسارع إلى التوبة، والانابة، والصبر، والصلاة.

وهاهنا وجه آخر، وهو أنَّ العلم بكيفية المعاد، وبأنّ أفراد الإنسان وغيرهم ملاقون ربّهم يرجعون إليه بالحقيقة علمٌ شريف، غامض، لا يحصل لأحد على وجه اليقين إلا للكمّل من العرفاء، وليس لعامّة أهل الإيمان إلاّ مرتبة الظنّ به على سبيل التخيّل، والتسليم.

ولأجل غموضه، وعلوّ سمْكه عن مدارك العقول، كرّر ذكره في القرآن، وكثر المنكرون له في كلّ زمان، حتّى أنّك ترى كثيراً من العقلاء القائلين بوجود الصانع للعالَم وتوحيده، منكرين للمعاد، وحشر الخلائق إليه تعالى، فالظنّ به حاصل لكلّ مؤمن خاشع لله، وذلك الظنّ كافٍ في أن يبعث له على الصبر، والصلاة، وسائر العبادات.

وأمّا مرتبة علم اليقين بلقاء الله، والرجوع إليه، فهي ثمرة العبادات، وغاية الصبر، والصلاة.

فصل

كلام في رؤيته تعالى

قال الإمام الرازي في تفسيره: استدلّ بعض الأصحاب بقوله تعالى: { مُّلاَقُو رَبِّهِمْ } على جواز رؤية الله.

وقالت المعتزلة: لفظ " اللقاء " لا يفيد الرؤية. والدليل عليه الآية والخبر والعُرف:

أمّا الآية فقوله تعالى:فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَىٰ يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ } [التوبة:77]. والمنافق لا يرى ربَّه. وقوله:وَمَن يَفْعَلْ ذٰلِكَ يَلْقَ أَثَاماً } [الفرقان:68]. وقال تعالى في معرض التهديدوَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّكُمْ مُّلاَقُوهُ } [البقرة:223]. فهذا يتناول المؤمن والكافر. والرؤية لا تثبت للكافر. فعلمنا أنّ اللقاء ليس عبارة من الرؤية.

وأمّا الخبر فقوله صلى الله عليه وآله: " مَن حلَف على يمين ليقتطع بها مال امرئٍ مسلم لقي الله وهو عليه غضبان " وليس المراد " رأى الله " لأنّ ذلك وصف أهل النار.

وأمّا العرف فهو كقول المسلمين " مَن مات لقى الله " ولا يقولون: " رأى الله " وأيضاً: فاللقاء يراد به القرب ممّن يلقى على وجه يزول الحجاب بينهما، ولذلِك يقول إذا حجب عن الأمير: " ما لقيته بعد ذلك " وإن كان قد رآه، وإذا أذن له في الدخول عليه يقول: " لقيته " وإن كان ضريراً.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10